الجمعة، 12 أغسطس 2011

لا تسمع كلام الدجاجة!



يحكى أنه كان هناك عش صغير للنسور في أعالي أحد الجبال.
وبعد أن هز المنطقة زلزال عنيف تدحرجت إحدى البيضات، رويدا رويدا، حتى استقرت في حظيرة للدجاج أسفل الوادي.
بقيت البيضة هناك حتى فقست. كبر النسر بين أقرانه الدجاج.
وفي ذات يوم لمح النسر مجموعة من الطيور تحلق في كبد السماء، فحدثته نفسه بتقليدها، فهم بمحاولة خجولة للطيران،
لكن مجموعة من الدجاج رأته فجعلت تتندر عليه وتثبطه، حتى تقدمت إليه إحداها فقالت له بصوت مرتفع: «لا تحاول أن تطير فأنت لست سوى دجاجة مثلنا ولن تستطيع الطيران أبدا»! 
ووسط تثبيط الدجاج المتكرر لثنيه عن محاولاته المشروعة في تنفيذ فكرة تراوده،
استسلم النسر في نهاية المطاف لهذه النداءات، ثم قضى حياته كلها حبيسا في هذه الحظيرة حتى مات ميتة الدجاج!
هذه القصة الرمزية تذكرنا بحال كثير منا ممن يتراجع سريعا عن المضي قدما في تنفيذ فكرة مهمة تدور بخلده، فور سماعه لتثبيط الناس من حوله، ولذا نجد أن كثيرا منا لا يتغير حاله نحو الأفضل، لأنه ليس لديه الثقة الكافية بنفسه لتنفيذ الفكرة أو حتى الدفاع عنها، فيمضي عمره شخصا عاديا جدا، رغم قدراته العظيمة التي وهبه الله إياها.
ولأننا نخشى تعليقات الآخرين، يصعب أن نتقدم في مسيرة الحياة بخطى حثيثة نحو نتائج ملموسة يمكن أن يشار إليها بالبنان، على الصعيد الشخصي والوظيفي والاجتماعي،
وكثيرا ما أتخيل ماذا سيؤول إليه حال المبدعين العرب وغيرهم لو أنهم استسلموا لكلام المثبطين؟
هل كنا سننعم، مثلا، بإبداعات أمير الشعراء أحمد شوقي لو أنه استسلم لأول انتقاد يعترضه.
هل كان نجيب محفوظ سيكتب نحو 50 رواية، بمعدل رواية واحدة سنويا نال على أثرها أول جائزة نوبل للآداب تمنح لعربي، لو أن هذا المبدع الكبير استسلم لكلمات مثل «نحن أمة لا تقرأ فلا تضيع وقتك في الكتابة»؟! 
هل كنا سننعم بالإضاءة الكهربائية لو أن توماس أديسون توقف عن إصراره على اكتشاف المصباح الكهربائي.
وهل سيجري الطبيب عملياته الجراحية أو سيدخل الطالب امتحاناته أو يخترع الإنسان الطائرة أو السيارة أو الإنترنت لو أن كل هؤلاء استسلموا لانتقادات الناس؟
لا بد أن ندرك أن ليس كل انتقاد نسمعه يجب أن يحمل محمل الجد، فهناك من ينتقدنا أو يثبطنا إما لحسد أو لغيرة، أو لأنه لا يستطيع أن يحذو حذوك، وهذا ما يلاحظ أحيانا في بيئات العمل، عندما يدفعك بعض الزملاء إلى التراجع عن تقديم فكرة عظيمة لمؤسستك، قد تعود بالنفع الكبير عليك وعليها، لأنهم ببساطة لا يريدونك أن تتفوق عليهم.
وأحيانا يدفع العقل الباطن الإنسان إلى تثبيط آخرين «وتكسير مجاديفهم» كما يقال، حتى لا ينفذوا فكرة لا يستطيع هو تنفيذها، وهي حيلة عقلية يطلقها الإنسان ليحاول أن يقنع بها نفسه بأنه ليس هو الضعيف بل هناك من هو أضعف منه.
وهذا لا يعني أن نتجاهل انتقادات الناس أو تعليقاتهم، لأن منها ما هو مهم لتطويرنا وتقليل أخطائنا.
وبصورة عامة، لا تخش ما يقوله الدجاج من حولك. وتذكر دائما أنك إن فشلت فهذا يعني أنك تحاول.
وليس الفشل عيبا، لكن العيب الحقيقي يكمن في من وهبه الله تعالى مواهب عظيمة لكنه لا يستفيد منها، مستسلما لتثبيطات الناس، فينقضي عمره ولم يحقق أهدافه أو يضع بصمات تذكر في مجتمعه أو في أقرب المقربين من حوله.
وقد صدق المتنبي حين قال:
ولم أجد في الناس عيبا
كنقص القادرين على التمام
m.nughaimish@asharqalawsat.com
http://www.aawsat.com/leader.asp?sec...article=626835

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق