الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

ضحايا “الفوركس″ في تزايد .. فهل من منقذ؟

بواسطة محمد سليمان يوسف بتاريخ 3 مارس 2010

 
في ذروة طفرة أسواق المال الخليجية والإماراتية منها ، ترك الكثير من الناس أعمالهم الأصلية أو أهملوها واصطفوا في طوابير للحصول على رقم مستثمر ، والمؤسف في الأمر أن الكثير من هؤلاء الناس وخاصة الشباب جاء إلى البورصة دون أي ثقافة أقتصادية أو معرفة بأصول الإستثمار ولذلك ما إن انفجرت الفقاعة وبدأت أسعار الأسهم رحلة الهبوط حتى اكتشف ضيوف البورصة الجدد أنهم في بحر لا يعرفون  طريقة العوم فيه فبدأوا يتخبطون ، وبفعل الخسائر الفادحة تحول حلمهم الوردي  إلى كابوس يمنع النوم عن أعينهم
فما كان  منهم إلا التمايز ضمن ثلاث فئات
 
فئة قنعت بخسائرها وباعت ما لديها من أسهم وتركت البورصة إلى الأبد
وفئة قبلت بالخسائر الدفترية واحتفظت باسهمها علَّ الأيام القادمة تعيد  لها ما سلبته منها الأيام الماضية ،
وفئة ثالثة وهي بيت القصيد حملت ما تبقى لها من رأس مال وعززته بالقروض ثم رحلت إلى سوق العملات ” الفوركس ” .

إن التأرجح الكبير في  سوق العملات  أشد فتكا من سوق الأسهم خاصة لمن لا يعرف أصول اللعبة ولا يتقن فنونها أو لمن لا يمتلك  االمنصة الإلكترونية المناسبة للتداول الحي وبالتحديد من حيث السرعة والوضوح ولا تقف المهارات عند هذه الحدود بل يجب أن يكون المتاجر قادرا على التفاعل مع الأخبار العاجلة المؤثرة بأسعار العملات وأن تكون لديه بوابات سريعة للوصول إلى هذه الأخبار من مصادرها الأصلية بالإضافة إلى فهم كبير لحركة الإقتصاد العالمي  وحركة الإقتصاد داخل دول المجموعات الإقتصادية العملاقة ( G7،  G8،  ( G20` وتأثير رفع الفائدة أو خفضها على العملات الرئيسية – دولار ، يورو، ين – 
ومع كل ذلك يبقى النجاح وتحقيق الأرباح مرتبط بقدرة المتاجر على المناورة السريعة وإقفال العقود في الوقت المناسب وهذا الأمر يحتاج إلى برودة أعصاب وشدة تركيز وقدرة كبيرة  على تحمل الخسائر واستخدام أمر  ” وقف الخسارة ” والتعود على الكر والفر خلال زمن التداول المستمر 24 ساعة ، وأزعم أن حالة المتاجر في سوق العملات تشبه إلى حد كبير حالة المحارب في أرض المعركة لأن أي غفوة في غير وقتها قد تذهب برأس المال كله خاصة إذا كان المتاجر مقامرا لا مضاربا .

لا شك أن معظم الاشخاص الذين تركوا أسواق المال الخليجية  بعد عام 2007 واتجهوا إلى المتاجرة بالعملات هم ممن يحمل عقلية المقامر لا عقلية المضارب ، بل إن بعضهم ذهب إلى سوق العملات بعقلية لاعب البوكر الذي يبحث عن ثروة كبيرة وسريعة لا بعقلية من يريد أن يتعلم و يعرف كي يصبح مضاربا قادرا على تنمية مدخراته وجعلها عونا له عند التقاعد ويبدو أن هؤلاء المغامرون المقامرون لم يكونوا يعرفون أن سوق العملات بحاجة إلى عقلية من يلعب الشطرنج أكثر من عقلية من يلعب البوكر .

إن ما دفعني للكتابة عن هذه القضية في هذا الوقت بالذات  هو لقاء قصير جمعني أمس  بزميل عمل  قديم فسألته عن استثماراته – يبدو أني أخطأت وكان يجب أن لا أسئله – فضحك ضحكة مجنونه ثم صمت برهة وقال بصوت متهدج : ملعون أبو الأسهم .. على أبو “– مار ” .. على أبو اليورو والدولار .. ثم استرسل في السب والشتم دون توقف ، أما قصته فتتلخص بأنه فقد خلال 3 سنوات مدخرات 20 سنة من التعب والشقاء وأكبر خسائره كانت في سوق العملات ،  حاولت مواساته فلم أفلح فتحججت له بكثرة العمل وغادرته وهو مستمر في لعن كل شيء يتحرك أمامه أو في محيطه .

إن سوق العملات ليس بملعب يمرح فيه هواة الربح السريع وطلابه  وإنما هو مكان لتجارة خطيرة لها أصولها وأعرافها وتقاليدها والمتعدي عليها خاسر لا محالة لأن نسبة الرابحين فيها  لا تزيد عن عشرة بالمئة وفقا لأقوال الكثير من المتابعين والمراقبين  هذا إذا كانت شركات الوساطة نزيهة في تعاملها مع عملائها ولم تكن تخطط أصلا للإستيلاء على أموالهم بالباطل كما حدث لعشرات الآلاف من الشباب في الأردن ومثلهم في مصر وعدد آخر كبير في منطقة الخليج أي أن المتاجر في هذا السوق معرض لخطر مزدوج خطر النصب والإحتيال من قبل شركات الوساطة وخطر عدم الكفاءة في التعامل مع سوق هائلة العمق قيمة  تعاملاتها ترليونات الدولارات .

من خلال احتكاكي اليومي بالعديد من الوسطاء في مجالي  الأسهم والعملات وما أسمع منهم من حكايات ينقلونها  على سبيل التتندر أو الشماته أو العظة والعبرة اكتشفت أن نسبة المتورطين في تجارة العملات  كبيرة جدا وأن معظمهم خسر وقلة نادرة حافظت  على أمولها أو حققت ربحا زهيدا وأنا هنا لا لست ضد هذه التجارة ولا أدعوا لمحاربتها فهي قناة استثمارية مهمة يجب احترامها لكن هذا لا يمنع في الوقت نفسه من الدعوة لتقنين هذه التجارة وتشديد الرقابة على أطرافها وتوفير الخدمات والوسائل التعلمية ومصادر الأخبار للمضاربين فيها 
إذ من المؤسف القول أن انتشار هذه التجارة على نطاق واسع بين أوساط المستثمرين الشباب على امتداد منطقة الخليج ، لم يواكب من حيث التنظيم والخدمات  كما يجب ولم يؤد حتى هذه اللحظة إلى دفع صانع القرار الإقتصادي   لتوفير البيئة القانونية والتشريعية  اللازمة لحماية عملاء هذه التجارة الحيوية
وأعتقد جازما أن ترك المشرع الخليجي لهذه الساحة خالية من قوانين وأنظمة الرقابة سيؤدي إلى تساقط المزيد من الضحايا في حبائل بعض  شركات الوساطة الأجنبية الجاهزة دائما لممارسة النصب والإحتيال والغش والتدليس وأساليب أخرى – القانون المحلي لا يطالها -  في سبيل سلب عملائها مدخراتهم والإدعاء أنهم خسروها حتى لو لم يكونوا خسروها بالفعل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق