الأحد، 20 يوليو 2014

نحو رؤية واقعية لمنهج إقتصادي وطني


د.مظهر محمد صالح *:

– نشر في 19/07/2014

د.مظهر محمد صالح


مع بدء دورة الحياة البرلمانية الثالثة في العراق،

 دشنت البلاد عقدها السياسي الثاني وهي تواجه تحديات إقتصادية وإجتماعية جمة،

 سيواجهها التشكيل القادم للحكومة،

 والتي في مقدمتها يأتي السعي لرفع كفاية الإقتصاد الوطني

 وتوطين أسس قوية من التماسك والتنظيم الإداري لإقتصاديات البلاد

 والإنفتاح المنتج على الإقتصاد العالمي،

 إضافة الى ضرورات التصدي لحالات التسرب والضياع في الموارد الوطنية

جراء سوء التنظيم الإداري و التراخي في تنفيذ القرارات الإستثمارية الحاكمة.

 فالإصلاحات الإقتصادية الجذرية في مفاصل الإقتصاد الوطني كافة، (الدولة والسوق)،

 اصبحت حاجة ماسة تقتضي العمل فيما بين أجهزة الدولة والمؤسسات الناظمة للسوق بروح الفريق الواحد والمنسجم،

 وليس بخطط وبرامج وزارية ومؤسساتية منفصلة

 لا تمتلك القدرة على الإرتباط بخطط وبرامج القطاعات الاخرى.

 فوحدة وسلامة منهج التفكير وبروح الفريق،

ستقود العراق لا محالة الى حافات التقدم والتنمية وبوتائر اسرع نحو الاهداف المنشودة.

 لذا فالحقيبة الوزارية القادمة

 قد تحتاج الى افكار ناضجة ورؤى واقعية تمثل شرارة العمل الإقتصادي وبمنهجية براغماتية اوعملية

 يمكن تناول بعضها وعلى النحو الاتي:

ا- على الرغم من ان تداول فكرة تأسيس مجلس للإعمار

 ستكون وظيفة إقرار ومتابعة تنفيذ المشاريع الستراتيجية الوطنية العابرة للمحافظات او الاقاليم،

 ذلك لإن الكيان التنظيمي والإداري للمجلس يتطلب ان لا يتخلى عن مهمته الاساسية،

 بكونه هيئة عليا لإرساء العقود الكبيرة للحكومة المركزية،

 شريطة أن تتوفر جهة مستقلة إستشارية عالية الإختصاص تتولى تقويم كفاءة العقود ونزاهتها وإعتدال أسعارها،

 وتعمل جنبا الى جنب مع الهيئة العليا لإرساء العقود الكبيرة للحكومة المركزية.

وهذا لا يمنع أن تمارس المحافظات المنهج نفسه في مشاريع المحافظة الواحدة

 وعلى غرار ما قامت به محافظة البصرة،على سبيل المثال. 

ويأتي المقترح من زاوية التصدي لمظاهر الفساد او الهدر في التعاقدات الحكومية.

2- ترويج او إشاعة فكرة الأقاليم التنموية،

كبديل غير معلن عن الإستعمال المناطقي او الطائفي لتاسيس فكرة الاقاليم،

(و التي عادة ما تستغل المواد116- 121من دستور جمهورية العراق للعام2005)،

 لغايات سياسية هدفها تفكيك وحدة البلاد الوطنية الدستورية).

واستناداً الى احكام المادة 119من الدستورنفسه،

 فإنه بالامكان تغليب فكرة الإقليم التنموي، كبديل لفكرة الإقليم المناطقي،

كأن يشكل إقليم، 

(على سبيل المثال)، 

يجمع محافظات كربلاء والانبار وبابل تحت مسمى الإقليم التنموي لوسط وغرب العراق. 

ولتشجيع هذه النمط من الأقاليم الجديدة،

يجري تخصيص نسبة لا تقل عن 10% او اكثر من الموازنة الإستثمارية للوزارت الإتحادية

 تُخصص باولوية لتشجيع المشاريع التنموية المشتركة في ذلك الإقليم التنموي

 عن طريق تعظيم المستخدم- المنتُج داخل الإقليم المذكور

او تعظيم القيمة المضافة، من خلال مبدأ التداؤب، synergism، للمشاريع والنشاطات المشتركة .

لذا، فأن من الأهمية بمكان أن يصدر قانون ينظم آليات عمل الأقاليم التنموية الخالية من الصبغة المناطقية او الطائفية

 والمقتصرة في عملها على إدارة نشاطات التنمية والإعمار المشترك،

 بما في ذلك الإستثمار الأجنبي والتي تصّب في نهاية المطاف في خدمة نشاط السوق الوطني للعراق.

 كما لا يمنع من إقامة غرف تجارية وصناعية اوإتحاد لرجال الأعمال

 ومختلف التنظيمات المهنية ذات العلاقة بالشأن الإقتصادي بصورة مشتركة لتعمل في مصلحة الإقليم التنموي.

3- طالما صار العراق معتمدا، بصورة اساسية على بعض العلامات التجارية

 سواء للسلع الرأسمالية او الوسيطة او الإستهلاكية والتي جرى إستيرادها و لسنوات طويلة من مناشيْ معتمدة،

نوصي بأهمية حث تلك الشركات، بما فيها الشركات متعددة الجنسية،

من إستخدام العراق كبؤرة إنتاجية شرق متوسطية للتصنيع والإستفادة من المدخلات المحلية المتوافرة،

 وشمولها بقانون الإستثمار

ضمن مذهب سائد في العلاقات الإقتصادية الدولية ونطاقات الإستثمار فيها، يسمى (بالتقابل offset).

 وننوه في الوقت نفسه أن فكرةالمياه الافتراضية،

 (التي اثارها الأستاذ الدكتور حسن الجنابي في محاضرته العلمية القيمة الاخيرة)،

 والتي تعني إستيراد العراق لسلع زراعية، (بالكثافة التي نشهدها حاليا)،

 والتي مصدرها بلدان المنبع او المتشاطئة الاخرى مع العراق من دول الجوار

، والتي تزرع منتجاتها المصدرة الى العراق على حساب جزء من حصة البلاد المائية.

ولخطورة مثل هذا النهج الذي تمارسه دول الجوارعلى الأمد البعيد،

نرى أهمية ان يدرج موضوع إقامة شركات زراعية مشتركة كبيرة في العراق

 وباسلوب الشراكة مع تركيا وسوريا وايران،

 حيث سيكون دور تلك الشركات دورا مستقبليا ضاغطا ضمن إعتماد دبلوماسية مياه بديلة،

وعدها، كورقة ضغط إضافية لتعظيم حصة العراق من المياه المتدفقة اليه 

من دولتي المنبع، (تركيا وايران)، 

و دولة المرور(سوريا).

4- توسيع نطاق الإستفادة من برنامج الولايات المتحدة في مايسمى، (بالتبادل النقديcurrency swaps )،

 المقام حاليا، على سبيل المثال، بين اميركا والعديد من دول العالم،

 وعلى نحو يشجع إستخدام تلك الاموال التي ستودع في العراق بالعملة الأجنبية لقاء مبادلتها بالعملة المحلية

 وبمدد طويلة في مشاريع إستثمارية منتجة بالإشتراك او الشراكة مع الدولة المودعة، و بما يعظم التنمية في بلادنا.

 وبالامكان تكرير التجربة مع الاتحاد الاوروبي او اليابان او الصين،

وبما ينسجم وقانون الإستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل.

5- تطوير ستراتيجية إنتاج النفط الخام بعد تحديد نقطة أمثلية في إنتاج النفط الخام المصدر، وليكن 6 ملايين برميل يوميا،

بعدها يوجّه الإنتاج المستخرج من النفط الخام ليكون كمدخل لمشاريع التكرير او البترو كيمياويات المحلية،

 ( سواء اكانت وطنية ام دولية مشتركة )، وبما يعظّم القيمة المضافة للثروة الناضبة.

6- تشجيع الإستثمار العراقي المشترك، (حكومة وقطاع خاص)، على الإستثمار في مشاريع خارج العراق،

كشراء مزارع في دول ذات أراضي خصبة،

 وعدّ ذلك من مستلزمات أمن الغذاء الوطني الإضافي،

خصوصا في بلدان مثل: فيتنام وأثيوبيا ودول الجنوب الأفريقي

 اوغيرها من دول صاحبة تجربة في هذا المجال من التعاون الإستثماري الزراعي الدولي

 الذي يغطيه الإستثمار الأجنبي المباشر في العالم حاليا،

 شريطة أن تُعتمد دراسة دقيقة ومقنعة للجدوى الإقتصادية لمثل هذه الإستثمارات الخارجية.

7- إنشاء اسطول بحري عراقي، بشراكة عراقية- دولية،

يُسهم في نقل النفط الخام والغاز والمنتجات النفطية العراقية،

 في جانب التصدير، بغية تعظيم القيمة المضافة للنفط المصدرومشتقاته،

 ومن جانب آخر، يتولى اسطول نقل وطني آخر التجارة الإستيرادية الى العراق،

 لتعظيم تنويع النشاطات المغّلة للدخل في العراق.

على أن تُساهم الدولة والقطاع الخاص العراقي والشركات الأجنبية بحصص متناسبة في الاسطول.

ونود التنويه

 ان تعظيم الشراكة الإقتصادية بين الدولة والقطاع الخاص،

 ينبغي إعتمادها، كمنهاج عمل في بناء الإقتصاد الوطني للمرحلة المقبلة؛

 (دولة الشراكة الإقتصادية).

8- تعديل المادة 28من قانون المصارف رقم 94لسنة2004، (النشاطات المحظورة)،

بالسماح للمصارف بالإستثمار في النشاطات المشتركة المذكورة أنفا

 وتكون الدولة عندها، (المالية العامة والبنك المركزي)، مشجعا و ضامنا لسيولة المصارف المشاركة في الإستثمار،

ولاسيما عند تعرّض المصرف لأزمة سيولة يصعب فيها تصفية مصالحه الإستثمارية الحقيقية موضوع البحث،

وتنظم بقانون او لائحة تنظيمية.

9- إنشاء مصرف للمغتربين العراقيين، او نافذة مصرفية داخل وخارج البلاد

لمن يرغب من العراقيين المغتربين في إستثمار ودائعه المصرفية في العراق،

على ان تكون عوائدها معفاة من الضرائب،

 وتتمتع بحرية التحويل الخارجي دون قيود.

ومنح المغتربين حق الإستثمار المباشر لتلك الودائع او عوائدها بموجب قانون الإستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل.

10- طالما سيكون العراق معتمداً على الغاز المورد من الجمهورية الإسلامية في ايران

لمدة ليست بالقليلة، لتسيير محطات الكهرباء،

وكذلك لتوفير الإمدادات المباشرة للطاقة الكهربائية،

اقترح أن تُسدد أثمان الغاز المستورد والتوريد المباشرللطاقة الكهربائية عبر مقايضته بالنفط الخام العراقي المعادل .

وأرى إستخدام المبدأ نفسه مع شركات النفط الاجنبية العاملة في حقول جنوب ووسط العراق، والدفع لها عيناً والتوسع بهذا المبدأ.

وبهذا سيخفف هذا المقترح من كلف عقود الخدمة او غيرها من التعاقدات مع الشركات الأجنبية

 التي تتقاضي أتعابها نقداً عن الطاقات النظرية للحقول النفطية المطورة،

 وتوافر كميات نفط إضافية متاحة جراء التطوير 

والتي يصعب تصديرها احياناً بسبب تقلبات السوق الدولية.

علماً ان هذا المقترح يحقق شيء من التحوّط حيال إنخفاض الطلب العالمي على النفط في بعض المواسم،

ويوفر في الوقت نفسه إستقراراً مالياً إضافياً للعراق عن طريق تعظيم تدفق صادرات البلاد النفطية.

11- إعادة تقويم الستراتيجيات الوطنية الستة عشر المعتمدة حاليا

والتي اقرها مجلس الوزراء في ضوء المقترحات انفاً او أية مقترحات آخرى تقدم

وعلى نحو يحقق الإنسجام في الرؤية الإقتصادية والإجتماعية المستقبلية للعراق،

 على ان يتولى مجلس النواب تشريع تلك الستراتيجيات اولاً،

 لكي تكون ملزمة على الأمد البعيد

 ومن ثم منح السلطة التنفيذية صلاحية التعديل عليها كلما إقتضت الضرورة ذلك ،

وهو أمر يحقق التوافق والملاءمة بين أهداف الموازنة الإتحادية السنوية، و تخصيصاتها قصيرة الاجل ،

 والاهداف الاستراتيجية بعيدة الاجل عند التنفيذ وعبر الخطط الخمسية .

*) باحث إقتصادي ونائب محافظ البنك المركزي العراقي السابق

حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين.

 يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 20 تموز 2014

http://iraqieconomists.net/ar/
لتنزيل المقال كملف بي دي أف انقر هنا
http://iraqieconomists.net/ar/2014/07/19/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق