الجمعة، 17 أغسطس 2012

سجال بين خبيرين حول تحويلات المركزي العراقي

بغداد- ابراهيم السامر

تاريخ النشر 29/07/2012 12:00 AM

تحويلات «المركزي» 

«مزاد» العملة الأجنبية الذي ينظمه البنك المركزي العراقي يومياً، شكل في الفترة الأخيرة موضوع سجال بين محافظ البنك المركزي العراقي الدكتور سنان الشبيبي ووزير التخطيط السابق الدكتور مهدي الحافظ.

 «الأسبوعية» واكبت السجال من خلال رسالتين متبادلتين حصلت على نسخة منهما.
الرسالة الأولى وجهها المحافظ الى وزير التخطيط السابق، في معرض التعليق على تصريح للأمين العام لمجلس الوزراء علي العلاق كشف فيه أن المبالغ التي هربت الى خارج العراق في السنوات الأخيرة تقدر بـ180 مليار دولار، وأن أقل من 5 في المئة من التحويلات تتم بطرق قانونية.



قال الشبيبي: ان هذه المبالغ المباعة في «مزاد» العملة الاجنبية وهي في حدود 180 مليار دولار، استخدمت لاستيراد كميات كبيرة ومتنوعة من السلع والبضائع والمواد الاولية والاستهلاكية، ودفع رواتب المتقاعدين العراقيين المقيمين خارج العراق والخدمات العلاجية والسفر والسياحة الدينية، اذ لا توجد جهة حكومية عدا البنك المركزي قادرة على توفير مبالغ استيراد هذه المواد بالعملة الاجنبية لخدمة متطلبات الاقتصاد العراقي.

وأضاف: ان هذه المبالغ المحولة لا تعد أموالا مهرّبة، بل اموالا استخدمت لتلبية حاجات الاقتصاد العراقي والمواطنين داخل وخارج العراق، وقد قامت المصارف بفتح المئات من الاعتمادات المستندية الموثقة بلغت أكثر من 100 مليار دولار اميركي منذ العام 2003 وحتى العام 2011، وتم ذلك بالطرق القانونية وليس بطرق غير قانونية، كما نشر.

ويرى الشبيبي ان البنك المركزي العراقي، وبالقدر الذي يراقب حركة التدفقات المالية الداخلة الى البلاد والخارجة منها، فانه يعتبرها من الظواهر الاقتصادية العادية التي تساعد في الحفاظ على نظام مالي مستقر يقوم على أساس التنافس في السوق، ويولد في الوقت نفسه اندماجا مرغوبا في السوق المالية الدولية، وانفتاحا واسعا في التعاملات المصرفية مع العالم.

ويضيف: إن تقييد التحويل الخارجي أو تقنين تدفق الاموال الخارجة للمواطنين، اتجاه لا ينسجم مع كون الدينار العراقي قابلاً للتحويل بما يساويه من العملة الصعبة داخل العراق،

إضافة الى ان ذلك يتعارض وحرية التحويل الخارجي والتزام العراق بالاتفاقيات الدولية، وبشكل خاص تطبيق احكام نصوص المادة الثامنة من اتفاقية صندوق النقد الدولي التي تلزم الدول الاعضاء باعتماد حرية التحويل الخارجي ورفع القيود امام حركة اموال المواطنين باستثناء ما يتعلق بالمخالفات القانونية الناجمة عن عمليات غسل الأموال وتمويل الارهاب.

ويسهب الشبيبي في رسالته فيقول: وفي ظل غياب أي انظمة او تعليمات تنظم التجارة الخارجية خصوصاً الاستيراد منذ العام 2003 وحتى الآن، أصبح البنك المركزي امام خيارين لا ثالث لهما، فإما ان يجتهد ويضع ضوابط لتنظيم عملية التحويل الخارجي، أو يتوقف بشكل نهائي عن تمويل التجارة الخارجية بسبب عدم وجود الانظمة والتعليمات الخاصة بذلك.

ولاستحالة الذهاب الى الخيار الثاني المتضمن وقف عمليات تمويل التجارة الخارجية عن طريق المزاد، لأن ذلك يؤدي الى وقف الاستيراد بالكامل عن طريق القطاع الخاص، ما يرتب اثاراً مدمرة على الاقتصاد العراقي،

فإن البنك المركزي يقوم من تلقاء نفسه بوضع ضوابط للدخول الى نافذة بيع وشراء العملة الاجنبية من دون ان يكون مكلفا بذلك بموجب احكام قانونه النافذ أو اي قانون او نظام او تعليمات نافذة أخرى.

ويستطرد الشبيبي الى القول: ان السياسة النقدية بوسائلها المختلفة بضمنها وسيلة المزاد التي بدأ البنك المركزي العراقي برسمها وتنفيذها منذ العام 2003، تعتبر من الوسائل الاساسية في ظل النظام الاقتصادي العراقي الجديد الذي يستند الى الاقتصاد الحر وغير المقيد، والذي نص عليه الدستور وقانون البنك المركزي،

والسياسة النقدية لا يمكن ان تعمل بمفردها في ظل غياب السياسات الاقتصادية الاخرى، كالسياسة التجارية والسياسة المالية والسياسة الاستثمارية وسياسة التشغيل والسياسة الضريبية وخطة التنمية الوطنية.

كما لا يمكن تحميل البنك المركزي العراقي وسياسته النقدية المشاكل التي يواجهها الاقتصاد العراقي خصوصاً وان البنك المركزي العراقي لا يعمل على أساس اسلوب النافذة الواحدة، وبالتالي لا يمكن ان ينوب عن الوزارات والدوائر الاخرى في متابعة استخدام الاموال ودخول السلع والبضائع الى العراق.

ثوابت



وقد عقب الدكتور مهدي الحافظ على رسالة محافظ البنك المركزي العراقي الدكتور سنان الشبيبي برسالة حصلت «الأسبوعية» أيضاً على نسخة منها قال فيها: إن نافذة بيع العملة الأجنبية التي سمتها رسالة الشبيبي خطأ «المزاد» هي قناة لايصال العملة الأجنبية من مصدرها الأول وهو النفط، عبر وزارة المالية، الى القطاع الخاص، وهي عملية لا بد منها في كل الأحوال في العراق والبلدان المماثلة.
 ان اتاحة العملة الأجنبية، من المصدر الحكومي الى القطاع الخاص من ثوابت النظام الاقتصادي في بلد نفطي، وهذه بالذات ليست مجالا للاختيار، وليست سياسة نقدية في حد ذاتها، اذ لا بد من قناة تدار من مكان ما لايصال العملة الأجنبية الى القطاع الخاص.
واضاف الحافظ: ان ادارة البنك للنافذة لا تعتبر تدخلا في سوق الصرف، لأن التدخل- هذا المفهوم- يفترض استقلال السلطة النقدية عن سوق الصرف، وهي تستكمل العرض في حال نقصه من احتياطياتها وتقتطع الزائد لتضيفه اليها،

والبنك يمثل جانب العرض في السوق: يحدد سعر الصرف الذي لم يتغير في السنوات الثلاث الأخيرة ويبيع الكمية المطلوبة بموجب السعر المعتمد.

والفرق بين مبيعات وزارة المالية للمصرف ومبيعاته الى القطاع الخاص يضيفه الى احتياطياته.

 اما القول بـ«الدفاع عن سعر صرف توازني...» فغير ذي موضوع، لأنه يعيّن السعر ويبيع الكمية المطلوبة بموجبه، وبذلك ينسجم سعر السوق مع السعر الرسمي.

كما ان شراء العملة الأجنبية من الوزارة في مقابل الدينار، وهو توسيع لعرض النقد، يتقلص بالمبيعات الى القطاع الخاص. 

والاضافة الى الاحتياطيات تقابلها إضافة الى الأساس النقدي في جانب المطلوبات من الميزانية العمومية للبنك، وكل الاصدار النقدي بعد العام 2003 مرده الى أن البنك مشتر صاف للعملة الأجنبية.

 ان الاصدار النقدي يكون بشراء المركزي للعملة الأجنبية، ولا توجد طريقة أخرى لأن البنك لا يقرض الحكومة والمؤسسات العراقية الأخرى، ونأمل، مرة أخرى، أن توصف العمليات النقدية كما هي، اذ يساعد هذا النهج على فهم ما يمارسه البنك المركزي بالضبط.

ويخلص الدكتور الحافظ الى القول: ان الأغراض التي استخدمت العملة الأجنبية التي اشتراها القطاع الخاص، هي نتاج تصرف القطاع نفسه بالدخل والعملة الأجنبية بحرية، وليس هناك سياسات معتمدة من البنك أو جهات أخرى للتأثير في تصرف القطاع الخاص بالدخل عموما والادخار خصوصاً.

 وقد وفرت العملة الأجنبية التي أرادها القطاع الخاص للغرض الذي شاء، سواء للاستيرادات أو التحويلات الجارية أو الاستثمارات في الخارج.
وحول ما يقول البنك عن انه يراقب التدفقات الداخلية والخارجية، يتساءل الحافظ: 

كيف راقبها وما هي تحديدا اجراءات المراقبة؟

ويضيف: حسب علمنا ليس هناك توثيق أصلا لهذه التدفقات خروجا او دخولا، باستثناء مردود النفط والذي يباع جزء منه الى القطاع الخاص على النحو المبين آنفاً، هذا اذا افترضنا انه راقبها بكيفية ما هو يعرفها وهو يدرك ما يترتب على هذه المراقبة؟
يضيف الحافظ: ان قراءة البنك المركزي المادة الثامنة من اتفاقية الصندوق الدولي جاءت متعجلة وفيها مبالغة، لأن المادة لا تفرض التحرير الشامل لميزان الدفوعات بل العمليات الجارية: استيراد وتصدير السلع والخدمات وفقرات أخرى.

ومن المعروف ان اتفاقية الصندوق الدولي لا تفرض على الدول الأعضاء الحرية المطلقة لحركات رأس المال دخولا وخروجا،
 بل العكس، إذ قد يطلب الصندوق من العضو تقييد حركات رأس المال اذا طلب العضو في مساعدة من موارد الصندوق، واقتنع الصندوق بأن تدفقات رأس المال الخارجة من أسباب عجز ميزان المدفوعات.
أكثر من ذلك، تبين نصوص الاتفاقية أنه حتى العمليات الجارية يمكن تقييدها بأن يطلب العضو السماحات الواردة في المادة 14 من الاتفاقية.

ومثل هذه القراءات لنصوص الاتفاقيات الدولية لا يساعد على تحسين الموقف التفاوضي للعراق، ونأمل ان يكون حرص البنك على استقلال القرار الاقتصادي للعراق لا يقل عن حرصه على تأكيد استقلاله عن الحكومة العراقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق