الجمعة، 1 يناير 2016

عجز الموازنة وضرورة المباشرة بالأصلاح

عجز الموازنة وضرورة المباشرة بالأصلاح

الدكتور أحمد إبريهي علي

08 يوليو 2015

لقد تمكن العراق من تمويل الأنفاق الحكومي الضروري الجاري، وخاصة فقرة الرواتب، 

مع تخفيض حاد فيما يخصص لمشاريع البنى التحتية والخدمات العامة

وتراكم استحقاقات للمقاولين ومجهزين للدوائر الحكومية ،

والتدابير التي أديرت بها الأزمة ، لحد الآن ، لا تنطوي على أضرار كبيرة

إذا ما نجحنا في الانتقال منها إلى إدارة جديدة للموازنة في سياق الإصلاح المطلوب

والذي تمس الحاجة إليه عمليا ،

ولم يعد من المنطقي انتظار تحسن في سعر النفط 

يساعد مرة أخرى على تأجيل القرارات الصعبة في تغيير إدارة الموازنة

ومباشرة إصلاح الإدارة الحكومية لزيادة الإيرادات

وضبط الأنفاق حسب الشروط المعروفة للكلفة – الفاعلية ،

لقد بلغ سعر سلة OPEC 58 دولار و79سنت في 30 حزيران،

ويقارب متوسط السعر اليومي للمدة من 24 آذار ونهاية حزيران وهو 59 دولار و22 سنت ،

و اعلى سعر يومي تحقق في السادس من أيار حوالي 65 دولار للبرميل ،

والأوطأ في الخامس والعشرين من آذار 51 دولار تقريبا ،

وكان نمو السعر بطيئا مع عدم تأكد في الاتجاه العام

إن تأجيل المراجعة الجادة والشاملة للإنفاق

حسب شروط الأداء الكفوء للوظائف المناطة بالدوائر الحكومية

يقرب الوضع المالي في العراق من مخاطر أكبر ،

وفي النطاق الاقتصادي الأوسع

يبدو وكأننا لا نعرف كيف ننجز إضافة في مكان ما خارج النفط الخام

 ترفد النمو الاقتصادي وتوسع فرص العمل ولو بقدر يسير .

لا نستبعد ارتفاع سعر النفط قبل نهاية العام القادم 

ليتجاوز الثمانين دولار للبرميل ، مثلا ،

لكن الوقائع ايضا لا تبشر بقفزة في صادرات النفط

على خلفية التلكؤ في إنجاز مشاريع التطوير النفطي

ومتطلباتها الأساسية مثل حقن المياه وتسهيلات المعالجة والخزانات وطاقات منافذ التصدير ،

وبذلك تبقى الإيرادات من المصدر النفطي

قاصرة عن تلبية المستويات المطلوبة للأنفاق الاستثماري والجاري في الموازنة .

لقد تبين أن وعد النهوض بالإيرادات من غير النفط ،

ضرائب ورسوم وسواها ،

لا يتعدى قوائم التوصيات الجاهزة التي قدمتها ندوات واجتماعات ذوي الاهتمام

اثناء إعداد موازنة عام 2015 ،

وكانت مستقلة ، تلك التوصيات كالعادة ، عن أنظمة عمل الدوائر المعنية واستعداد كوادرها ،

وتعاني من الخلط بين إمكانات الأمد القصير والمديات المتوسطة والبعيدة ،

وهي تفتقر إلى البحث المتخصص طويل النفس و اختبارات الإمكانية ،

ولا تقترن بإجراءات تطوير ملتزم بها فعلا تطال تلك الحلقات من أجهزة الدولة

التي يراد منها تخليق إيرادات من مصادر جديدة وزيادتها من ابوابها المتعارف عليها .

وتمويل العجز بالاقتراض يكتنفه الغموض

وينقصه الفهم الدقيق للعلاقة

ما بين الموازنة العامة (إيراداتها وقروضها ونفقاتها) ومفردات الميزانية العمومية للبنك المركزي ،

وبين هذه وتلك والمصارف ودخل القطاع الخاص وادخاره واستهلاكه واستثماره ،

لقد اقترضت الموازنة العامة من المصارف الحكومية بترتيبات ليست مستقرة ،

وكان في وسع الحكومة التوجه إلى جميع المصارف بحوالات الخزانة

مع تثبيت إجراءات معلومة وسهلة لتدوير الدين عبر وكيلها المالي وهو البنك المركزي ،

وايضا إصدار اوراق دين حكومي للجمهور ضمن سوق العراق للأوراق المالية .

و من المعلوم لدى أهل الخبرة 

ان الكفاءة في الاقتراض وتمويل العجز

تتطلب ان تسيطر الحكومة اولا على ودائعها في الجهاز المصرفي

عبر نظام محكم لأداره نقد الموازنة

ينتهي في حساب وحيد للخزانة لدى البنك المركزي والذي يسمى اختصارا (STA)،

وهذا يساعد كذلك على تحاشي الوقوع في أخطاء وتجاوزات

توجد امثلة منها اصبحت معروفة .

ولعل من اهم المسائل في إدارة الموازنة 

معرفة الوضع الذي يحتم الاقتراض من الخارج إلى جانب الاقتراض الداخلي او بدونه ،

وهنا نستعيد مقترحات قدمت قبل سنوات

لتضمين وثيقة الموازنة كشفا تقديريا بالتدفق النقدي بالدينار العراقي إلى جانب آخر بالنقد الأجنبي ،

اي بيان الموارد والاستخدامات للنقد الوطني إلى جانب الموارد والاستخدامات للنقد الأجنبي

موضحا في الجدول التالي:

موارد واستخدامات الموازنة للنقد الأجنبي

الموارد
رصيد الافتتاح ( مجموع أرصدة ختام السنة السابقة لدى الاحتياطي الفدرالي والبنك المركزي العراقي).
مقبوضات من إيرادات النفط.
مقبوضات من إيرادات حكومية أخرى.
الاقتراض الخارجي والتمويل بالآجل.

الاستخدامات
الاستيرادات الحكومية من السلع والخدمات.
مدفوعات للمقاولين الأجانب في القطاع غير النفطي.
مدفوعات للشركات النفطية الأجنبية.
تسديد اقساط وفوائد الديون الخارجية.
تسديد التزامات خارجية اخرى.
مبيعات العملة الأجنبية إلى البنك المركزي.
الفائض ( العجز).

وعلى نفس الأسس يعد ميزان النقد الوطني 

حيث يبين

في جانب الموارد :
رصيد الافتتاح لدى البنك المركزي والمصارف العراقية ،
مقبوضات مبيعات العملة الأجنبية إلى البنك المركزي العراقي ،
مقبوضات من إيرادات الضرائب والرسوم ،
مقبوضات من إيرادات حكومية اخرى ،
الاقتراض الداخلي والتمويل بالآجل ،

وفي جانب الاستخدامات
تظهر المدفوعات بالنقد الوطني حسب ابواب الموازنة ثم الفائض او العجز التقديري ،

إن حضور هذين الكشفين في وثيقة الموازنة

يجنب الإدارة الكثير من الالتباس في تقدير الحاجة إلى الاقتراض من الداخل والخارج ،

وإلى جانب الكشفين آنفي الذكر

يقتضي التحليل استحضار ميزان المدفوعات للاقتصاد العراقي

والذي يبين المقبوضات والمدفوعات بالعملة الأجنبية ،

وما في حكمها من وسائل الدفع الدولي ، لكافة قطاعات الاقتصاد الخاصة والعامة ولجميع الأغراض .

وعندما ينخفض سعر النفط إلى النصف تقريبا 

في اقتصاد يهيمن النفط على ميزانه الخارجي ومركزه المالي الدولي

يحصل عجز في ميزان المدفوعات ،

وفي نفس الوقت

يبقى الميزان الحكومي بالعملة الأجنبية في حالة فائض

كما حصل عام 2009 وفي هذا العام 2015 ،

أي ان الحكومة لا تحتاج للاقتراض من الخارج لاستيراداتها والتزاماتها الأخرى

إذ تبقى مجموع مدفوعاتها الخارجية أدنى من مورد النفط ،

ويظهر العجز في ميزان النقد الوطني

ولذلك ندعو وزارة المالية واللجنة المالية في المجلس النيابي إعداد هذين الكشفين والنظر فيهما ،

أي ان مشكلة العجز في ميزان المدفوعات تظهر في نافذة العملة الأجنبية للبنك المركزي ،

وملاحظتها هناك في غاية البساطة :

حيث مبيعات وزارة المالية إلى البنك المركزي من العملة الأجنبية أقل من مبيعات نافذة البنك المركزي

ويعوض الفرق باستنزاف الاحتياطيات الدولية ،

ونأتي هنا إلى القاعدة التي تعين مدى الحاجة للاقتراض من الخارج 

وهي بسيطة ايضا

وخلاصتها

إن كان الاستنزاف يمكن تحمله

أي تبقى الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي فوق الحجم المطلوب للأمان

لا حاجة للاقتراض من الخارج

والعكس صحيح ،

بمعنى إن الاقتراض من الخارج هو لدعم احتياطيات البنك المركزي ،

ومن الناحية الإجرائية

تبيع وزارة المالية ما اقترضت إلى البنك المركزي

 لتعزيز ميزان النقد المحلي للموازنة المبين آنفا

وفي نفس الوقت تنخفض معدلات استنزاف الاحتياطيات ،

شبكة العلاقات هذه

بين موارد النفط – الأنفاق الحكومي- ميزان المدفوعات- الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي

كانت غائبة في الأساس التحليلي لأعداد الموازنة ،

وكان الأولى تحضير تلك الكشوفات والنظر فيها مليا من جميع الوجوه

قبل التوصل إلى قناعات من معلومات ناقصة وتصورات لم تختبر نظريا ولا تجريبيا .

يبقى السؤال حول 

الاقتراض الداخلي في الحجم والمصادر 

ينتظر إجابة 

والمهم لفت الانتباه نحو

المعايير المعتبرة لقرار من هذا النوع

وهي ثلاثة تتظافر لوصف الاستقرار الاقتصادي الكلي :

الأول يتعلق بالتضخم

والذي تعارفت السياسات المالية في العقود المنصرمة على بقاءه منخفضا

( الدول المتقدمة تفضله بين 2-3 بالمائة سنويا ،

والبلدان الناهضة تتسامح في وصوله إلى 6 بالمائة او نحو ذلك ) ؛

والمعيار الثاني محاولة إبقاء نسبة البطالة منخفضة

أي بطالة القوى العاملة

وعطالة الطاقة الإنتاجية الكلية للاقتصاد الوطني

والتي تقاس بالفرق بين الناتج الممكن والناتج الفعلي ؛

والمعيار الثالث قد تقدمت الإشارة إليه وهو عجز ميزان المدفوعات

ان لا يتجاوز الحد

وتستنزف الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي إلى ما دون مستوى الأمان

او تضطر الحكومة للاقتراض بشروط مجحفة

او يتعدى الدين الخارجي شروط الاستدامة ،

وما علاقة المعايير الثلاثة بالاقتراض الداخلي

لأن الأخير سوف يعين حجم الأنفاق الحكومي

او مدى الانفاق من قيد الإيراد النفطي ،

والأنفاق الحكومي هو العامل الأكثر حسما في تعيين حجم الطلب الكلي الفعلي للاقتصاد الوطني

عبر سلسلة دورات الدخل – الأنفاق ( الطلب) – الدخل… وهكذا بلا انقطاع ،

والطلب الكلي الفعلي يستدعي عرضا من السلع والخدمات يستوعبه

وبذلك يحدد تشغيل القوى العاملة

و استغلال الطاقات الإنتاجية والاستيرادات من الخارج وبقية المدفوعات للأجانب

وإزاء مقدار معلوم من مقبوضات العملة الأجنبية يكون عجز ميزان المدفوعات نتيجة معطاة ،

وفي هذا السياق نتعرف على إمكانية توليد او عدم توليد الضغوط التضخمية ، 

وفي العراق يبقى الأنفاق الحكومي دون المستويات التضخمية

لأن انخفاض المورد النفطي كبير ومن المستبعد تعويضه بالاقتراض بمختلف أشكاله ،

ولهذا يكون التركيز على البطالة في مقابل العجز المحتمل لميزان المدفوعات الخارجية .

في بحث الاقتراض الداخلي تثار مسألة تنقيد الدين ، 

والتي تعني شراء البنك المركزي من السوق الثانوية

أوراق الدين الحكومي التي بحوزة المصارف

لتيسير السيولة ،

وتبرر البنوك المركزية تلك السياسة من جهة مراعاة سعر الفائدة

فعندما تقترض الحكومة بمقادير كبيرة سيرتفع سعر الفائدة ويتقلص استثمار القطاع الخاص

وهذه العلاقة تعرف بعنوان إزاحة الموارد عن القطاع الخاص ،

ومن زاوية أخرى في الاقتصاد العراقي وأمثاله في البلدان النامية

لم تصل السوق المالية إلى العمق الكافي الذي يسمح بالإقراض المريح للحكومة .

وضمن هذه الحلقة تأتي قضية تدوير الديون

 أي الاقتراض لسداد الديون السابقة

وهي من اساسيات العمل في السوق المالية في كل العالم ،

وعلى سبيل المثال

يبلغ حجم الاقتراض لتدوير الدين في اليابان 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا

وهذه تتكرر بصفة مستمرة ،

ومن المتعذر على الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وحتى المانيا

إدامة وضعها المالي دون تدوير الدين

ولا بد من الانتباه إلى هذه الآلية وتنظيمها جيدا في العراق .

تلك تدابير الأمد القصير

والمقصود أنها تستند على فرضية بقاء بنية الإنتاج ونمط التجارة الخارجية ، استيرادا وتصديرا ،

على الوضع الحالي ،

اما الأنفاق بتطوير الأداء الحكومي

فهذه ، وكما تقدم في دراسات سابقة ،

تحتاج الفحص الدقيق للعمليات وإدارتها في الوحدات الأساسية للنظام الحكومي 

اي المديرية العامة والمستشفى والجامعة وديوان الوزارة ووحدات الرئاسات الثلاث

ودوائر الحكم المحلي من مركز المحافظة إلى الناحية ،

ويجري الفحص على اساس الوظيفة في مقابل متطلبات أدائها

وبذلك يحذف الأنفاق الزائد في سياق إعادة هيكلة هادئة يتولاها ،

أي الفحص ومقترحات إعادة الهيكلة ،

خبراء أمناء بدعم اجتماعي سياسي تضمنه الأحزاب الحاكمة ومرتكزات إسنادها .

http://www.alnahrain.iq/?p=2481

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق