الثلاثاء، 22 يوليو 2014

في مفهوم الجيل


د.علاء عبدالهادي

بداية يجب أن نقر أن دلالة كلمة جيل لاتوجد في معاجم اللغة العربية بالمعني المتداول والشائع في حياتنا الثقافية،

 وهو معني أشتق أساسا من الأدبيات الغربية، ثم انتقل الي حقل الأدب بعد ذلك، وشاع.

علي المستوي اللغوي، جاء مصطلح جيل من كلمة generare اللاتينية،

التي ارتبطت معجميا بمعاني الولادة، والانجاب،

 والسبب المؤدي الي الذرية، والنسل، والنتاج،

 وتشير الكلمة الي الحقبة الزمنية التي تفصل بين والدين وأبنائهما،

 وتدل أيضا علي مجموعة من الأفراد ولدوا ونموا في فترة زمنية متقاربة.

ولكلمة جيل دلالة قد تكون أكثر دقة إذا ما اقتربنا منها من جانبها العلمي،

ذلك لأن المعني الأدبي الشائع الآن هو أقرب الي المعني البيولوجي،

الذي يشير الي شكل أو مرحلة من مراحل دورة الحياة،

 يتحول عبرها أفراد نوع بيولوجي ما من مرحلة أو طور الي آخر،

ويعد هذا المعني أصح المعاني التي يمكن أن نتباناها لهذا الاصطلاح في رأيي

 لأنه يدل علي خصيصتين،

التغير المستمر الذي ينفي عن معناه ثباته المطلق من جهة،

وارتباط هذا التغير بتطور ما من جهة أخري.

فإذا أتينا الي المعني اللغوي لهذه الكلمة في العربية

 وجدنا لها معني يخالف معناها الاصطلاحي،

فالجيل في المعجم العربي يعني "كل صنف من الناس،

 فالترك جيل، والعرب جيل، والروم جيل، وهكذا،

 وقيل الجيل هو الأمة، وقيل كل قوم يختصون بلغة فهم جيل"،

وهي معان ـ علي الرغم من اشتباكها ـ بعيدة عن مفهوم الكلمة في أصها الغربي.

والمتأمل للمعني اللغوي لهذه الكلمة في معجمنا يري أنها تعني بالجنس والمكان،

وما يشير إليه من ثبات،

كما تعني باللهجة واللغة،

هذا علي عكس معناها الغربي الذي يعني بالميلاد والتجدد، وبتغير الزمان.

علي المستوي التاريخي، 

شاعت فكرة الجيل والمجايلة منذ القرن التاسع عشر،

 أما قبل ذلك التاريخ فكان لفظ الجيل محصورا في الدلالة علي الأسرة والعلاقات بين أجيال أفرادها.

وقد شجعت علي ذيوع استخدام لفظ الجيل أفكار التنوير، التي احتفت بفكرة التغير الاجتماعي،

 وهذا ما رحب بواجبات الشباب في حركة المدنية والتغيير

، كما ساعدت التغيرات الفكرية في حركة المجتمعات الغربية، التي ارتبطت بتغيرات إقتصادية واجتماعية، وصناعية،

 علي تحرر جيل الأبناء من سيطرة الأسرة والآباء،

 مقارنة بالأوضاع في بدايات القرن التاسع عشر، ومنحتهم حضوراً مؤثرا ومجددا في المجتمعات الحديثة.

وتجدر الإشارة الي وجود اتجاه يري الجيل من منظور حسابي،

فيظن أن هناك جيلا يولد كل ثلاثين عاماً!

 وهذا لن نناقشه لتهافته،

 فالجيل في نظرنا يحدده كم ما من حراك يميزه في بنية مجاله المعرفي في فترة زمانية ما،

 فلا يحدد موعد ميلاده عدد السنوات،

 التي قد تمر مواتا دون حراك،

ولايقتضي ظهوره طول فترة ممتدة بين جيل وآخر.

وفي كل الأحوال ترتبط الدلالات المعاصرة كلها لمصطلح الجيل بعلاقته مع مفهوم الزمان،

 من أجل هذا كان تعريف الزمان مفيدا في الإشارة الي محيط الكلمة في استخدامها الثقافي.

يعرف أينشتين الزمان بصفته "وحدة قياس كمية الحركة"،

 وهذا ما ينقل الزمان من مفهومه الثابت بصفته قيمة،

الي مفهومه المتحرك بصفته قيمة لها اتجاه،

 أي أن الزمن يجب أن يكون دائماً مقيسا علي حركة ما،

 وهو المفهوم الذي يقبل التطبيق علي مجال الجيل دون منازع،

 وفي هذا مايخفف من وطأة سيطرة تواريخ الميلاد علي المحيط التعريفي لجيل ما،

بصفته عاملا مهما في التحديد، لأن هناك من ينتمي كميا الي جيل ما ويقع كيفيا في خارجه..

علي مستوي آخر تذهب موسوعة جوردون مارشال في علم الاجتماع

الي أن "الجيل صورة من صور جماعات العمر، يتكون من أفراد المجتمع الذين ولدوا في الوقت ذاته تقريباً".

وهو تحديد وضع الميلاد محدد جوهريا في المفهوم،

دون الانتباه الي أن مايشكل الجيل في حقيقته هو حركته،

 أي انفصاله من خلال وعيه النقدي وإدراكه عن بيئته الثقافية السائدة مثلاً،

 وهذا ما يؤكد أهمية ارتباط المفهوم بالزمان بمعناه العلمي،

وليس بمعناه الخطي الساكن،

 فضلاً عن ارتباطه بقطيعة، وربما بأزمة،

وأقصد بذلك انقطاع مؤثر في سيرورة، أو في سياق زمني ما،

 والانقطاع هنا قد يكون انقطاعا عن تقاليد ثقافية سائدة علي سبيل المثال، أو عن تقاليد أدبية قارة. إلخ.

وأزعم هنا أن ما يحدد ظهور جيل جديد

 هو موقفه النقدي من ثوابت اجتماعية قارة تبنتها أجيال سبقته،

 فضلا عن قدرته علي طرح البدائل،

ويري المفكر الفرنسي فرانسوا منتريه أن الجيل الاجتماعي "

هو وحدة روحية مكونة حول حالة اجتماعية أو وضع اجتماعي"،

وهذا التعريف أدق في رأيي من تعريف الموسوعة،

 لكنه أغفل الرؤية النقدية التي تميزه عن غيره من أجيال،

 كما أغفل أهمية الوضع الاقتصادي الذي قد يشكل محددا مهما في مفهوم الجيل الواحد

 في علاقته بالمنتمين إليه من جهة،

 وفي علاقته بالأجيال الأخري من جهة ثانية،

وذلك من خلال تغيرات أنماط الانتاج والاستهلاك، وتأثيراتها الثقافية والاجتماعية.

أما نزعة التجييل في الأدبيات الغربية

 فتشير الي الاعتقاد بأن جيل معين له صفات متأصلة، وأنماط حياة، ومعتقدات عامة متقاربة بين أفراده، مقارنة ببقية الأجيال،

وقد يستخدم تعبير الجيل للدلالة علي تفوق جيل علي جيل آخر،

 علي الرغم من أن صفات جيل ما علي المستويين النظري والواقعي

 قد تكون أفضل أو أسوأ من الاجيال اللاحقة به، أو السابقة عليه.

وليس من شك في أن هناك تداخلا بين الأجيال،

حيث يمكننا أن نحدد احتمالين يؤثران في حراك أي جيل علي المستوي الاجتماعي،

 الاول هو الصراع طويل الأمد،

 وذلك حين تكون الفجوة بين جيل بعينه وجيل آخر كبير،

 الي الحد الذي يجعل من مد جسور التفاهم بين الجيلين أمراً صعب المنال،

والثاني هو تآلف إرادات جيلين أو أكثر ـ ولا أقول تطابقها ـ

وذلك من خلال قدرة هذه الاجيال علي إنجاز عقد اجتماعي، تنتظمه تشريعات وقوانين، تكفل علاقات مثمرة وممتدة بينها،

 وذلك عبر احترام حقوق كل جيل علي المستويين الاجتماعي والسياسي،

 وهذا ما لا يمكن حدوثه دون مشاركة الأجيال كلها، الجديدة منها بخاصة، في بناء مستقبلها،

وذلك من خلال سلوك ديمقراطي يحقق مفهوم المساواة والعدل علي مستوي اجتماعي واسع،

وعلي نحو يوفر قنوات تعبير شرعية يمكن من خلالها أن تعبر هذه الأجيال المختلفة عن آرائها وطموحاتها،

ويكفل حقها في المشاركة.

وقد يثير تعبير الجيل عند إطلاقه كثيرا من الخلاف

 سواء بين جماعات في الجيل الواحد، أو بين جماعات جيل وآخر،

 لكنه اصطلاح يصعب الاستغناء عنه،

فمن السائد في الحياة السياسية والنقدية والأدبية العربية بعامة، التصنيف الي أجيال،

وكثر ما يقوم الاحتراب علي هذا التصنيف، وأحيانا يحدث هذا الاحتراب بين أفراد أو مجموعات تنتمي الي الجيل ذاته.

وتجدر الإشارة هنا الي أنه من المحال أن يوجد جيل ما علي نحو نقي،

 ذلك لأن الجيل مختلط بالضرورة، ومتغير بفعل مرور الزمان، وهذا ما يلونه بألوان كثيرة لأجيال سبقته، وأخري لحقت به،

 هكذا يمكننا أن نعرف الجيل علي نحو عام

 بأنه مجموعة من الأفراد ينظر إليهم بصفتهم جماعة لها سمات ثقافية متشابهة، ومواقف عقلية وثقافية واحدة،

وللكتابة بقية.

http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=251286&eid=1492

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق