السبت، 31 أغسطس 2013

مصيدة السيولة وسياسات التيسير النقدي .. هل صدق كينز؟


د. أيمن الألفي


مع تطور اقتصاديات العالم وتشابكها، تنوعت سبل ووسائل التعامل مع ما تواجهه الدول من مشاكل

 اقتصادية،

 إلا أن أحد أهم التطورات في الأنظمة الاقتصادية التي زادت الأزمات الاقتصادية تعقيدا،

 الاعتماد الكبير على

  نظام النقود الورقية عديمة القيمة (Fiat money)

التي تستمد قوتها من قوة اقتصادية يتمتع بها مصدرها.

 الاعتماد على هذا النوع من النقود أعطى الفرصة للاقتصاد العالمي على التوسع بشكل هائل

 بسبب ما سمحت به من عملية خلق للنقود من دون التقيد بتوفير احتياطيات من المعادن الثمينة،

 مما سمح بتحقيق معدلات نمو قياسية لم يكن للاقتصاد العالمي الوصول إليها سابقًا.

 في بداية الأمر، كانت النظرة تجاه هذا النظام النقدي الجديد نظرة إيجابية دعمتها معدلات النمو المرتفعة

 ومتمثلة في قدرة هذا النظام على استغلال الموارد الاقتصادية بشكل أفضل وأكثر فعالية،

 إلا أنه سرعان ما اتضح أن لهذا النظام من سلبيات ما يوازيه من إيجابيات من شأنها أن تسقط أعتى

اقتصاديات العالم في محن هائلة وبشكل مفاجئ.

إن إحدى تلك السلبيات هي مصيدة السيولة التي تنبأ بها جون مينارد كينز في مطلع القرن الماضي عندما

 واجه العالم ما عرف لاحقا بالكساد العظيم.

 عندما تنبأ كينز بمصيدة السيولة نظر الكثير من المختصين بالاقتصاد إليها على أنها مصطلح اقتصادي

 نظري بحت لم يحدث عمليا، ويستبعد حدوثه في ظل وجود بنوك مركزية قادرة على التحكم في

معدلات السيولة وعرض النقود عن طريق تفعيل آلية أسعار الفائدة.

 فكل ما يجب على البنك المركزي فعله عند السقوط في أزمات اقتصادية لتحفيز الاقتصاد والعودة إلى

معدلات نمو مقبولة هو تخفيض أسعار الفائدة (قصيرة الأجل) لتخفيض تكلفة الإقراض،

 ومن ثم إغراء المستثمرين على الاقتراض للحصول على ما يحتاجون إليه من سيولة مالية لإنشاء

استثمارات جديدة تحقق عائدا أفضل مما يحققه الإقراض بسعر الصرف المتدني،

وبالتالي تحريك عجلة الاقتصاد وتحقيق نمو اقتصادي.

 نجاح هذه السياسة على مر السنين

جعل الكثير من الاقتصاديين يؤمنون بحتمية تشغيل تلك الأموال المقترضة

وإغفال إمكانية الاحتفاظ بتلك الأموال سائلة من دون إنفاقها،

 إما على شكل إنفاق استثماري أو على الأقل إنفاق استهلاكي.

 فمن غير المعقول أن يحتفظ الأفراد بنقود ورقية عديمة الفائدة بدلا من إنفاقها في مصارفها المعروفة

 إما لتدر ربحا أو لتشبع رغباتهم مما يحتاجون إليه من سلع استهلاكية،

 إلا أن كينز تنبأ بغير ذلك وهو ما أسماه ''مصيدة السيولة''.

في مطلع التسعينيات تحققت نبوءة كينز وظهرت مصيدة السيولة كمشكلة اقتصادية لا يمكن إغفالها

عندما سقط بها (وما زال يعاني منها) ثاني أكبر اقتصاد في العالم آنذاك وهو الاقتصاد الياباني.

 عندما تعرضت اليابان لركود اقتصادي اتخذ بنكها المركزي الموقف التقليدي،

 وهو تخفيض أسعار الفائدة لإخراج الاقتصاد مما تعانيه من كساد،

 إلا أن المفاجأة كانت بأن لم يستجب الاقتصاد الياباني لهذه الآلية وبقيت معدلات النمو ضعيفة،

 على الرغم من تخفيض سعر الفائدة إلى معدلات قياسية غير مسبوقة، وصلت إلى الـ 0 في المائة،

 مما أوقع الاقتصاديين في حيرة من أمرهم حول أسباب ذلك وما يمكن فعله.

 المشكلة تمثلت في سقوط اليابان في أول مصيدة سيولة ملحوظة على أرض الواقع.

 انخفاض سعر الفائدة أدى إلى معدلات سيولة عالية في الاقتصاد الياباني،

 ولكن من دون أن تترجم هذه الأموال إلى استثمارات جديدة.

 السبب في ذلك

أن ثقة المستثمرين كانت ضعيفة جدا حول تعافي الاقتصاد الياباني، مما أدى بهم إلى الاحتفاظ بالنقود

 لمواجهة ما يتوقعونه من أزمات اقتصادية قد يتعرضون لها في المستقبل.

 هذا المنظور امتد ليشمل البنوك التجارية التي فضلت الإبقاء على ما تملكه من سيولة لمواجهة أي فزع

 مالي ينتج عنه هرع المستثمرين لسحب أرصدتهم من البنوك بشكل جماعي مفاجئ،

 مما أدى إلى إحجام تلك البنوك عن القيام بدورها كوسيط مقرض يمول ما يحتاج إليه السوق المحلي من

 استثمارات.

سقوط اليابان في مصيدة السيولة ترتبت عليه آثار أكثر سوءا،

أثبتت أن مثل هذه الظاهرة يجب النظر إليها بجدية.

 فتفضيل الأفراد للاحتفاظ بالنقد بدلا من إنفاقه

أدى إلى زيادة قيمة تلك النقود

 (نتيجة لزيادة الطلب عليها كمخزن للقيمة بدلا من اعتبارها وسيطا للتبادل التجاري)

 وظهور ما يعرفه الاقتصاديون بالانكماش أو deflation

(وهو مصطلح مضاد للتضخم

يعني الانخفاض في المستوى العام للأسعار مقارنة بما تحمله النقود من قيمة)،

وهي ظاهرة لها مساوئها تماما كما للتضخم مساوئ.

فالاحتفاظ بالنقد من دون إنفاقه (سواء استثماريا أو استهلاكيا)

يعني تباطؤ عجلة الاقتصاد وزيادة معدلات البطالة نتيجة لعزوف المستثمرين عن العمل

 بسبب انخفاض الطلب وعدم القدرة على تحقيق عوائد مرضية.

لقد مثلت مصيدة السيولة تحديا كبيرا لعلماء الاقتصاد والمعنيين بالشأن الاقتصادي

 كالبنوك المركزية حول ما يمكن اتخاذه من إجراءات للخروج من تلك المصيدة.

 فمن غير الممكن تخفيض أسعار الفائدة إلى مستوى أدنى من الصفر في المائة.

 والانكماش لم يعد ممكنا معالجته عن طريق زيادة عرض النقود بسبب مصيدة السيولة.

 فما الحل؟!


http://www.aleqt.com/2013/06/18/article_763997.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق