السبت، 1 يونيو 2013

شواهد على عودة بالونات أسعار الأصول

شواهد على عودة بالونات أسعار الأصول


أ.د. محمد إبراهيم السقا


في تقريره الأخير عن الاستقرار المالي العالمي،

 نبه صندوق النقد الدولي الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى في العالم

إلى ضرورة أن تراقب سياساتها وجهودها الرامية لدفع مستويات النمو الاقتصادي والخروج من الأزمة

مؤكدا أن هذه السياسات، على الرغم من حتمية تبنيها لمقاومة الكساد الحالي، قد تؤدي إلى تضخم بالونات أسعار الأصول

ومن ثم عدم استقرار أسواق المال بشكل خاص، والاقتصاد العالمي بشكل عام.

من الناحية النظرية تستهدف سياسات التسهيل النقدي ضمن ما تستهدف 

خلق ما يسمى بأثر الثروة wealth effect،

 وذلك من خلال رفع أسعار الأصول، حيث يشعر الجمهور أنه أصبح أكثر ثراء،

 وذلك لتشجيع الإنفاق الاستهلاكي وزيادة معدلات النمو،

 غير أنه من الممكن أن تحدث هذه السياسات آثارا معاكسة

 بصفة خاصة زيادة مستويات الديون على المستثمرين

 ونمو فقاعات أسعار الأصول وزيادة عمليات الاستثمار الخطر بواسطة صناديق الاستثمار.

حيث لوحظ أن هذه السياسات تؤدي إلى دفع المستثمرين إلى تحويل الأموال نحو البورصات وغيرها من أدوات الاستثمار الخطرة.

 وقد ترتب على ذلك ارتفاع مؤشرات البورصات في العالم التي بلغت مستويات قياسية هذه الأيام

 إلى الحد الذي دفع بعض المراقبين إلى الاعتقاد بأن برامج التوسع النقدي للبنوك المركزية

 يمكن أن تتسبب في بالون أسعار أصول أخرى، 

وذلك بتشجيع المستثمرين على الاقتراض بصورة أكبر.

الشواهد تتراكم اليوم لتوحي بأن العالم اليوم يعيش مرة أخرى سلسلة من البالونات السعرية في العديد من الأسواق.

 تأتي هذه البالونات على الرغم من أن العالم لم يخرج بعد من الكساد الذي لحق به

 نتيجة انفجار بالون أسعار المساكن في الولايات المتحدة،

وهو ما يعني أن العالم أصبح اليوم معرضا لمخاطر انفجار هذه البالونات الجديدة

محدثة آثارا انكماشية أكبر في أسواق واقتصاديات دول العالم.

المريب في الأمر أن أسواق المال في العالم تشهد تطورات غير منطقية،

 حيث تشهد أسوأ الأصول في العالم زيادة في الطلب عليها أو انخفاضا في معدلات العائد المطلوب لها،

 بما لا يتناسب على الإطلاق مع مستويات المخاطر المحيطة بها،

 مثلما هو الحال بالنسبة للسندات اليونانية والإسبانية والإيطالية التي تتراجع معدلات العائد عليها اليوم بصورة مستمرة

 نظرا لارتفاع أسعارها.

ما يلفت النظر لهذه الارتفاعات في الأسعار

 هو أنها تتم بشكل سريع وبصورة غير متسقة مع اتجاهات النمو العالمي

وهو ما أثار دهشة المراقبين حول سرعة عودة الفقاعات السعرية، على الرغم من أن العالم لم يتعاف بعد من أزمته.

تاريخ البالونات السعرية في العالم يثبت أنه يملك ذاكرة قصيرة جدا

وينسى بشكل سريع التجارب المؤلمة التي يعيشها في فترات انفجار بالونات أسعار الأصول،

 وهذا ما كنت دائما أركز عليه في سلسلة ''عالم لا يتعلم من أزماته'' التي نشر منها 13 حلقة في ''الاقتصادية''.

 المشكلة هي أن هذه البالونات أصبحت تتكرر اليوم على نحو أسرع من أي فترة تاريخية سابقة،

مما يوحي بأن فترة تكرار الأزمات المالية أصبحت اليوم أكبر، والوقت التي يمر بين أزمة وأخرى أصبح أقصر بكثير مما نتوقع.

أحد أهم الأسباب التي تسببت في بالونات الأسعار الحالية للأصول هي سياسة النقود الرخيصة، كما ذكرنا،

 المتمثلة في إصدار المزيد من النقود،

مما يعكس حقيقة أن البالونات السعرية التي تتشكل اليوم

لم تكن أساسا بسبب سلوك المضاربين استجابة للارتفاعات المتتالية للأسعار، 

بقدر ما هي بالونات سعرية من صنع البنوك المركزية

 التي توفر وقود المضاربة على هذه الأصول من خلال سياسات النقود الرخيصة،

 التي يصاحبها انخفاض في معدلات الفائدة وتكلفة القروض.

 هذه السياسات يتعمق تأثيرها كلما ازدادت حدة الأزمات،

 فمع ضعف استجابة الاقتصادات لسياسات النقود الرخيصة تلجأ البنوك المركزية إلى تكثيف استخدام هذه السياسات

على نحو أكبر من خلال إصدار المزيد من عرض النقود

 وهو ما يمهد السبل بصورة أكبر لعودة بالونات الأسعار.

ولكن ما أهم ملامح هذه البالونات؟

هناك ملامح عديدة تتراكم دوليا لتشير إلى تكون هذه البالونات على السطح

 مضيفة مجموعة كبيرة من المخاطر التي تحيط بالأصول في العالم،

 فهناك بالون ضخم لأسعار الأسهم والسندات، أكبر من بالون أسعار المساكن التي أدت إلى الأزمة المالية العالمية،

 والتي لا شك في أنها إذا ما انفجرت فستحدث تأثيرا ضخما في المؤسسات المالية في العالم أجمع.

فقد استهدف الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية في الدول الصناعية من شراء السندات

أن يترتب على ذلك تراجع أسعار الفائدة وأن يتسع نطاق الائتمان ومن ثم مستويات الاستثمار،

غير أن ما حدث بالفعل هو تحول المستثمرين من السندات نحو الأدوات الاستثمارية مرتفعة المخاطر في سوق الأسهم،

وهو ما دفع بأسعار الأسهم نحو الارتفاع في جميع البورصات تقريبا.

 إذ يلاحظ أن مؤشرات بورصات الأسهم في العالم اليوم تميل نحو الارتفاع

بمعدلات لا تتوافق مع معدلات نمو الناتج أو نمو توزيعات أرباح أو توزيعات الشركات،

 أي أن هذه البالونات بعيدا عن العوامل الأساسية المحددة لأسعار الأصول بشكل عام،

 إذ يقدر النمو في مؤشرات أسعار الأسهم بالنسبة لكل المؤشرات

 في الولايات المتحدة العام الماضي بأكثر من 20 في المائة،

 وفي سويسرا تجاوزت نسبة النمو 40 في المائة،

وفي طوكيو تجاوزت الزيادة في أسعار الأسهم نسبة 70 في المائة،

 كما ارتفع مؤشر الأسهم في البورصة اليونانية خلال العام الماضي بنحو 80 في المائة.

من ناحية أخرى، فإن المضاربين أخذوا في مطاردة السندات، بما في ذلك السندات مرتفعة المخاطرة،

 وهو ما دفع بأسعارها نحو الارتفاع.

 فمن أهم مظاهر هذه البالونات السعرية الحالية أن السندات العالية المخاطر انخفضت معدلات العائد عليها على نحو واضح،

 على سبيل المثال

 انخفض معدل العائد على السندات اليونانية استحقاق عشر سنوات

 من 30 في المائة في العام الماضي إلى أقل من 10 في المائة هذا العام،

 على الرغم من أنه لا يوجد شيء على الأرض في اليونان يؤيد هذا التراجع في معدلات العائد،

 فما زالت الأوضاع الاقتصادية في اليونان في منتهى السوء سواء من الناحية الاقتصادية أو المالية،

 وفي الوقت الذي انخفض فيه معدل العائد على السندات اليونانية استحقاق عشر سنوات من 30 في المائة إلى نحو 9 في المائة،

استمرت معدلات البطالة في الارتفاع حتى بلغت أكثر 27 في المائة، وهو مستوى تاريخي ويمثل أعلى معدلات البطالة في أوروبا،

 بينما يتراجع معدل نمو الناتج على نحو كارثي.

إذ لم يترتب على المساعدات التي قدمها الاتحاد الأوروبي في ظل برنامج المساندة الذي رسمه صندوق النقد الدولي

 حدوث أي تحسن ذي أهمية تذكر في الوضع الاقتصادي لليونان،

 في الوقت الذي تتراكم فيه المؤشرات حول سقوط اليونان في مصيدة الإفلاس

 في اللحظة التي تتراجع فيها الترويكا عن تقديم المساندة اللازمة.

 في الوقت الذي يرتفع فيه احتمال خسارة جانب كبير من قيمة هذه السندات إذا ما تعرضت اليونان للتعثر،

 مثلما حدث العام الماضي عندما تم شطب 130 مليار دولار من سندات اليونان التي أدت إلى سقوط قبرص.

مع كل هذا كيف يعود المستثمرون إلى دولة مثل اليونان متناسين حجم المخاطر الهائل الذي يحيط بهذا الاقتصاد

 الذي دائما ما كان ينظر إلى سنداته على أنها أحد أكثر الأصول سمية في العالم.

 لم يقتصر الأمر على السندات اليونانية، أيضا الأسهم اليونانية كما ذكر أعلاه.

كذلك هناك مؤشرات عن ارتفاع أسعار الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة

بما لا يتوافق مع معدلات العائد المتحقق من الإنتاج الزراعي،

 وبعيدا عن أسواق المال أخذت أسعار المساكن في الولايات المتحدة في النمو على نحو سريع

 تجاوز الـ 10 في المائة في الربع الأخير من هذا العام 

وهناك اتجاه تصاعدي ملحوظ في أسعارها.

فهل هناك بالون مساكن أخرى في الطريق أيضا؟

 وهل ما يحدث حاليا هو ما أطلق عليه شيلر عبارة الحيوية غير الرشيدة Irrational exuberance في كتابه الشهير.

 إذا كان الأمر كذلك فنحن مقدمون على أزمة بالتأكيد

 فهل يشهد العالم انفجار بالون أصول جديدة قبل أن يخرج من الانفجار الحالي لبالون أسعار المساكن؟

 هذا السؤال تجيب عنه الأيام المقبلة،

 ولكن ماذا يحدث لو تعرض العالم لانفجار آخر لأسعار الأصول،

 أعتقد أن الأثر في هذه المرة سيكون أكبر من أثر الأزمة المالية العالمية لسبب بسيط

وهو أن هذا الانفجار يحدث في ظل ظروف سيئة للغاية والعالم بأسره غير مستعد لمواجهة آثارها، 

هذا إن كان قادرا على ذلك.


http://www.aleqt.com/2013/05/31/article_759629.html


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق