الجمعة، 15 مارس 2013

أحكام نشوز الزوجة والزوج

أحكام نشوز الزوجة والزوج
أشرف الغمري

سلسلة كشف الغمة بتربية الأمة

بحث في

أحكام النشوز

المقدمة :

إن الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )

أما بعد :
فكما هو معلوم فإن الزواج رباط وثيق في الإسلام , له منزلته ومكانته التي لا تخفى على منصف , ولا أدل على ذلك من هذه الأحكام المتكاثرة المنضبطة بالأدلة الشرعية الثابتة , فإن الله عز وجل قد وكل أصول الأحكام فيه إليه بحيث لا يبغي أحد على أحد , وليرفع – سبحانه – المظلمة عن المرأة في العصور المختلفة التي مرت بها بنظام عجيب , ونسق محكم ليس له مثيل ولا نظير !

أقول :
 وإن من قضايا الزواج في الإسلام قضية ” النشوز ” , فالإسلام لم يكن يوما بعيدا عن قضايا البشر, بل هو في قلبها خلافا للنظم البشرية التي وضعها البشر- يعتريها من النقص ما يعتريهم – فهي غير قادرة على تلبية المستجدات وإن حلت جزءا منها كان الحل مؤقتا فلا تلبث أن تظهر تفاصيل تجعلهم يعيدون النظر ويقدمون ويؤخرون .. أين هذا من تشريع اللطيف الخبير , الذي وضع هذا الترتيب الجميل المحكم المناسب لكل زمان ومكان ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) .

والنشوز له أطره العامة المنبثقة من النصوص الشرعية التي انطلق منها علماء الإسلام وفرعوا عليها فلم يبنوا تفريعاتهم على باطل – إذ ما بني على باطل فهو باطل – بل كانت أسسهم الأدلة الربانية فكان هذا كله راحة للبشر وسعة لهم ورحمة أوجبت عليهم شكر الله – وقليل من عباد الله الشكور- .

ولقد من الله علي – ونعمه علي لا تحصى – بأن وفق وهدى لمثل هذا البحث الهام الذي الناس اليوم بأمس الحاجة إليه نظرا لما حصل من بعد عن معرفة أحكام الدين إلا من القليل والتأثر بأصحاب الشبه والقيل , فكان جميل أن يطرق مثل هذا الموضوع , وأن تبسط فيه صور معاصرة مرتبطة بواقع الناس اليوم , ذات صلة بمشاكلهم , بعيدة عما اندرس من قضايا ما عادت اليوم مطروحة .

وإنني إذ أقول هذا إنما أقوله فيما يتعلق بالموضوع لا بالمكتوب ,

وحاشا أن أدعي الفضل في بحثي هذا – فضلا عن الكمال – إذ نواقصه أكثر من حروفه ,

 لكن لعله يوما من الدهر يبسط فينفع الله به ويجزي عليه وهو المستعان أن يصلح النية وعليه التكلان في بحث القضية

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

المبحث الأول :

وفيه أربعة مطالب
الأول : تعريف النشوز وحكمه
الثاني : وقفة مع القوامة
الثالث : من صور النشوز
الرابع : من أسباب النشوز




المطلب الأول : تعريف النشوز وحكمه

النشوز في اللغة :
الارتفاع يقال تل ناشز أي مرتفع ,
وفي التنزيل : ( وانظر إلى العظام كيف ننشزها …) أي كيف نرفع بعضها على بعض .
فالنشوز يكون بين الزوجين وهو كراهة كل واحد منهما صاحبه ,
 ونشزت المرأة على زوجها فهي ناشز : أي ارتفعت عليه واستعصت عليه وأبغضته وخرجت عن طاعته وفركته
 ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن )
ونشز هو عليها نشوزا كذلك إذا ضر بها وجفاها وضربها
 قال تعالى : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ) .
ويقال أيضا النشوص : نشصت المرأة ونشزت بمعنى واحد
 وقال ابن الأعرابي المنشاص : المرأة التي تمنع فراشها في فراشهاَ فالفراش الأول الزوج والثاني المضربة .

وأما النشوز في اصطلاح الفقهاء :
فقال ابن قدامة في المغني
 (معنى النشوز هو معصية الزوج فيما فرض الله عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها ارتفعت وتعالت عما أوجب الله عليها من طاعته )
وقال صاحب الأضواء :
” وأصل النشوز في اللغة الارتفاع فالمرأة الناشز كأنها ترتفع عن المكان الذي يضاجعها فيه زوجها وهو في اصطلاح الفقهاء الخروج عن طاعة الزوج .
قلت : هذا فيما يتعلق بتعريف نشوز المرأة , وأما فيما يتعلق بنشوز الرجل
 فقال ابن قدامة في الكافي : النوع الثاني : نشوز الرجل عن امرأته وهو إعراضه عنها لرغبته عنها لمرضها أو كبرها أو غيرهما فلا بأس أن تضع عنه بعض حقها تسترضيه بذلك ,
 لقوله تعالى ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا )

حكم النشوز :
الأصل في النشوز التحريم , لمخالفته نصوص الكتاب والسنة والتي جاءت بوجوب طاعة الزوجة زوجها ووجوب إحسان الزوج لزوجته , إلا أن درجات التحريم تختلف من صورة لأخرى.
فمن تأبى أن تمكن زوجها من الاستمتاع بها ووطئها ليست كمن تظهر التثاقل والتضجر ومن يظهر التسخط والملل ليس كمن يمنع زوجته النفقة الواجبة … وهكذا .
ويتقرر على هذا التفاوت في الدرجات , التفاوت في التبعات والأحكام المترتبة على هذا الوصف – أعني وصف النشوز – وهو ما سيتم بحثه في الفصول القادمة بإذن الله تعالى .

المطلب الثاني : وقفة مع القوامة
قال الشوكاني رحمه الله :
قوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل ..) الآيات , هذه الجملة مستأنفة على بيان العلة التي استحق بها الرجال هذه الزيادة , كأنه قيل : كيف استحق الرجال ما استحقوا مما لم تشاركهم فيه النساء , فقال : ( الرجال قوامون على النساء ) الخ .
والمراد أنهم يقومون بالذب عنهن كما تقوم الحكام والأمراء بالذب عن الرعية وهم يقومون بما يحتجن إليه من النفقة والكسوة والمسكن ,وجاء بصيغة المبالغة في قوله : (قوامون) ليدل على أصالتهم في هذا الأمر .
فالمقصود من قوامة الرجل على زوجته في الآية الكريمة :
 قيامه عليها بالتأديب والحفظ والتدبير والصيانة وتولي أمرها وإصلاح حالها , آمرا ناهيا لها كما يقوم الولاة على الرعايا .
أما لماذا كانت القوامة للرجل على امرأته , فذلك لسببين :
السبب الأول :
 بتفضيل الله لهم , فإن الله مكن الرجال في الخلق والقوة ما لم يعط للنساء وهذا السر في التفاوت في التكاليف بأن كانت الجهاد والنفقة والخروج للدعوة وغيرها مما هو منوط بهم دون غيرهم كما قال تعالى: ( وللرجال عليهن درجة ) , قال ابن كثير رحمه الله : ( وللرجال عليهن درجة ) أي في الفضيلة في الخلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح والفضل في الدنيا والآخرة

والسبب الثاني :
 بما ينفقه الرجل على زوجته مما هو ملزم به من قبل الشارع تبارك وتعالى , وهذا ظاهر في الآية
وإنما نذكر هذا لأن من النساء من يكون نشوزها إما لعدم استحضار مفهوم القوامة في ذهنها أو لفقدانه في تربيتها أو لما أحدثته مفسدات الفطر – من فضائيات ونحوها – من مطالبات بإسقاط القوامة عن المرأة وتحريضها على التمرد فكان كل ذلك من أكبر دوافع النشوز والتعالي عن طاعة الرجل .
والعجب كل العجب من رجال هم بيننا ينعقون بما ينعق به أعداء الإسلام ويطرحون حلولا لقضايا هي أصلا غير موجودة عندنا فيذهبون للغرب ويتأثرون بهم ثم ينقلون ما شاهدوه وما سمعوه لمجتمعنا النظيف وبيئتنا المتدينة – ولا أحب كلمة ذات الخصوصية لأن الخصوصية تتغير بالأزمان والدين لا يغيره الزمان ! _ ولا أقول هو خال من المشاكل لكن ليس بالحجم الذي يظهرونه ومشاكله ليست بالنوعية التي يبحثونها .

المطلب الثالث : من صور النشوز
للنشوز صور كثيرة , أذكر بعضا منها فأقول مستمدا العون من الله سبحانه :

أولا : ما يكون من نشوز المرأة فمنه

• ما يتعلق بحقه في الفراش : كأن تمتنع عنه بالكلية , أو تجيبه لكن متبرمة متسخطة أو تجيبه ليلا وتأبى نهارا ( لكونها موظفة مثلا في النهار ) أو العكس فتجيبه نهارا وتأبى ليلا ( كأن يكون عملها يتطلب مناوبة في الليل كالطبيبة ..) وفيه تفصيل يأتي بإذن الله .

• ومنه ما يتعلق بالخلق : أن تكون سيئة الخلق , بذيئة اللسان , تسبه وأهله ترفع صوتها عليه وتهينه وأشد من ذلك أن تضربه وأقبح منه أن يكون ذلك أمام الأولاد ونحوه ,كثيرة الشكوى قليلة الرضا عنيدة متعصبة لرأيها كثيرة العصيان طلباتها لا تنتهي ولا تقف عند حد ..

• ومنه ما يتعلق بالطاعة : أن تخرج من بيته بلا إذنه ولو لبيت أهلها , وأعظم منه أن تبيت خارج بيتها بلا إذن منه وأعظم من ذلك أن تسافر بغير رضا منه ولو مع محرم فهذا كله من النشوز إلا أن يكون لأمر شرعي ففيه بيان .

• ومنه ما يتعلق بالعبادات : وهذا ذو شقين
 الأول :
 أن تكثر من نفل العبادات بلا إذن منه بما يفوت عليه حقه وحق الأولاد كأن تصوم للتطوع بلا رضاه أو تقوم الليل في وقت رغبته فيها ( وأحيانا تفعله رغبة عنه وتزهيدا له فيها ) فيفوت ذلك عليه رغبته بكثرة الانتظار .
 الثاني :
 على عكسه كأن تهمل في التكاليف الشرعية مع دوام نصحه لها وأمره ونهيه فلا تمتثل المأمورات كترك الصلاة والصوم والغسل من الجنابة … أو غشيانها المحرمات : كالغيبة والنميمة

• ومنه ما يتعلق بالسلوكيات : كوقوعها في الفاحشة , أو مقدماتها أو مخالطتها للرجال الأجانب ومصافحتها لهم وحديثها معهم بلا حاجة وخروجها متبرجة متعطرة فهذا مما عده العلماء نشوزا وكذا خلعها ملابسها في دور العناية بالمرأة – بل إفساد المرأة – وفي المشاغل وغيرها.

• امتناعها عن السفر معه وفيه تفصيل .

• إدخالها في بيته من لا يريد فقد يمنعها من بعض أقاربها ولو كانوا محارما لها – وقد يكون ذلك المنع لمصلحتهما كأن يعرف من بعضهم التخبيب عليه مثلا – فتعصاه وتدخلهم البيت رغما عنه .

• الردة – والعياذ بالله – عن الإسلام فهذا من أعظم النشوز ذلك لأنها تفوت عليه أصل النكاح فضلا عن منافعه .

ثانيا : ما يكون من صور نشوز الرجل
وهذا الضرب له صور كثيرة فمن صوره :
• التضييق عليها –ظلما– لتطلب الافتداء وهو الخلع منه فيفوت عليها مهرها.
• هجره لها في المضجع بلا مبرر شرعي فهذا نوع نشوز
• جفوه وتنقصه لها وازدراءها وسبها وكذا ضربها و إهانته لأهلها ونيله منها على أي وجه كان .
• مماطلته لها في إيفاءها لحقها في المهر إن كان سلم بعضه ووعد بتسليم الباقي مع قدرته على ذلك إمعانا في إذلالها وأذيتها .
• إثارته لها كأن يذكر محاسن النساء ورغبته في الزواج الثاني – لا رغبة في التمهيد بل رغبة في التنكيد – وقد يدوم هذا لسنوات إمعانا في إذلالها وتكبره عليها وإشعارها بدنو مكانتها عنه أو بإشغالها عن بعض عيوبه بهذه الطريقة المبتذلة .

المطلب الرابع : في أسباب النشوز
قد يتساءل : أصل البحث متعلق بأحكام النشوز , وهذا المطلب في أسبابه فما الداعي لعقده والحكم غير السبب ؟
فأقول مستعينا بالله سبحانه :
 بل إن لهذا البحث علاقة مؤثرة بأحكام النشوز فإن النشوز على قسمين :
الأول :
 نشوز بغير حق وهو الأصل فإن نشوز أحد الزوجين مخالف لمقتضى عقد النكاح المبني على السكينة والتطاوع فإذا وقع النشوز فإن وقوعه يكون على خلاف الأصل وهذا النشوز الكائن بغير حق تترتب عليه أحكامه إذ لا مبرر له وأسبابه في نظر الشارع ساقطة فلذا لم يعتد به .
الثاني :
 نشوز بحق بمعنى أن الناشز من الزوجين كانت أسباب نشوزه شرعية ودوافعها في نظر الشارع مرعية : فإنه والحالة هذه ذو أحكام مختلفة عن القسم الأول فيكون التعامل فيه على مسلكين :
المسلك الأول :
أن يكون نشوزا له أسباب معتبرة شرعا لكن تترتب عليه أحكام النشوز!
مثاله :
أن ترضى المرأة برجل مدخن تقدم إليها إما على أمل أن يهديه الله أو أنها لم تتصور حقيقة العيش مع رجل مدخن ورائحة هذا الدخان الخبيث وأذاه , وبعد الزواج بأشهر وإذ بها تخرج إلى بيت أهلها ! فهذا يعد نشوزا وأسبابه معتبرة في الشرع لضرر هذا الخبيث لكن تترتب عليه أحكام النشوز لكونها قبلت به ابتداء مع علمها بحاله وعدم تغريره لها , فهنا لا يلزم بالإنفاق عليها وهي باقية عند أهلها رافضة الرجوع حتى يترك الدخان أو يترك كل منهما الآخر !
المسلك الثاني :
عكس النوع الأول أن يكون نشوزا له أسباب معتبرة شرعا لكن لا يجوز أن يرتب الزوج عليه أحكام النشوز !

وأمثل لهذا برجل يطلب من امرأته أن تمكنه من إتيانها في دبرها ,
 وهذا بلا شك محرم فامتنعت عن تلبية طلبه فهل له الحق في أن يجري عليها أحكام النشوز من التغليظ بالقول والهجر والضرب ؟

 فنقول هذا نشوز أسبابه معتبرة لكن لا تترتب عليه أحكام النشوز من استحقاقها للتأديب أو قطع النفقة
 لأن الحق معها والشرع في صفها , فإن فعل كان ظالما معتديا
وثمرة ما سبق أنه لو قطع النفقة مثلا ألزمه القاضي بأن يعطي قيمة ما منع وهكذا .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في نشوز المرأة :
معصيتها الزوج فيما يجب عليه من حقوقه , أما ما لا يجب فإن ذلك ليس بنشوز ولو صرحت بمعصيته ,
 فلو قال لها : أريد منك أن تصبحي دلالة في السوق تبيعين , فقالت لا , ما يلزمها ,
 ولو قال : أريد منك أن تكوني خادمة عند الناس فلا يلزمها .ا.ه
فتبين مما سبق :
ارتباط هذا المبحث غاية الارتباط بأحكام النشوز وهو ما دعاني لتحريره .
وإن دوافع النشوز من الزوجين كثيرة ومتعلقاتها إلى حد كبير قريبة ومتشابهة
 فلذا آثرت أن أذكر المتعلق وتحته صوره العديدة إذ هي مشتركة بين الزوجين ,
 رغبة في البعد عن التطويل والخروج عن حقيقة الموضوع

 وأحيانا أذكر بعض صور العلاج

 وما لا أذكره فإنه متروك لمبحث التعامل مع الناشز فأقول :

السبب الأول : البعد عن التربية الدينية الصحيحة
وهذا يؤدي إلى مشاكل عديدة منها فإن تفريط أحد الزوجين في التكاليف الشرعية – أوامر كانت أم نواهي – يوقع الآخر في الحرج والضيق ! وكيف بالزوجة إذا علمت أن لزوجها ماض بعيد كل البعد عن الطهر فضلا عن أن تكتشف أنه قائم على الرذيلة مواقع لها مرتكب للحرام معرض عن الحلال ؟
وكيف بالزوج يفاجأ بزوجته مضيعة لصلاتها , مهملة في صيانة عرضها بتبذل أو خسة ونحوه ؟
إنه لمصاب جلل وبلاء عظيم عافانا الله من ذلك .
ومن أعظم ما يمنع الوقوع في مثل هذا :
 القرب من الكتاب والسنة والتزام مدارستهما كأن يكون هناك حضور لدروس السيرة في المساجد فتذهب العائلة مع رب الأسرة ولا بأس بأن يكون بعد الدرس حوافز تضمن الاستمرارية والتعلق به أو تجتمع العائلة يوما في الأسبوع ويرتب له بحيث تقطع الشواغل والارتباطات للجميع ويقرأ أحدهم في كتاب نافع ينتقى بعناية إن لم يكن ثمة مؤهل لإلقاء الدرس .

السبب الثاني : وجود المفسد لأحدهما
فكم من طلاق وقع بسبب حاسد أو حاقدة مقربين من العائلة , فيلبس ذلك المفسد – رجلا كان أو امرأة – لباس الناصحين ويتزيا بزيهم فيأتي لأحدهما إما للرجل في عمله أو للمرأة في مجالسها ويبدأ في هدم أسرة آمنة سعيدة لتتحول حياتها بعد جميل استقرار وعظيم هناء إلى جحيم لا يطاق فيا ويل من تجاسرت نفسه حسدا ليفرق أسرة كاملة من كثرة الخصوم المتضررين كالزوجين والأبناء ومن تأثر من أهلهما ممن تلحقه توابع : كالنفقة على ابنتهم المطلقة أو العناية بالأبناء القصر … و كثرة التبعات يوم القيامة لا تخفى على ذي بصيرة مما يعقب هدم الأسرة مما ينقض الظهر ويشيب له الرأس , وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : “من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ” فكيف بأسرة مطمئنة يهدمها ذلك الحاقد ؟
كم سمعنا ممن أفسدت على صديقتها زوجها وفاجأتها بأن استحوذت عليه , وكم ممن أفسد زوجا على زوجته ليأخذها منه بعد طلاق لمجرد أن وقع الهوى في قلبه تجاهها إما بسبب اختلاط – في مجتمعات يسودها الاختلاط – أو بسماع صوت وكان ممن في قلبه مرض – نسأل الله العافية – …
فعلى العقلاء ألا يسمحوا لأحد بتسيير حياتهم خاصة مع كثرة ضعاف الإيمان في زماننا وعلى الزوج إن تيقن من تفسد زوجته عليه الوعظ باللين ثم إن لم يجد فله أن يصرفها عنها ويسمح لزوجته بغيرها إذ لا مناص للمرأة من صويحبات فليكن صالحات ! والله المستعان .

السبب الثالث : عدم التربية الاجتماعية الصحيحة
فإن عدم معرفة الحقوق والواجبات يؤدي بالإنسان إلى أن يطلب من شريكه ما ليس له بحق , ويفرط فيما هو حق عليه ومن واجباته وهذه غفلة ليست بمحمودة شرعا , ومن تأمل واقع الطلاق اليوم يجد أن غالبه من هذا الباب , ألا وإنه ثمة أمور واجبة شرعا بوجوبها عرفا فينبغي مراعاتها غاية المراعاة والاتفاق عليها من البداية وعدم التساهل في ذلك حتى لا يكون الزوجان – بعد ذلك – بين أمرين أحلاهما مر إما الفراق وإما البقاء على مضض العيش ومن هذا الزيارات العائلية على سبيل المثال فإنه قد جرت العادة بأن تزور المرأة أهلها – حال كونهم في بلدها – مرة في الأسبوع وكذا جرت العادة بأن تواصل الزوجة أم زوجها قدرا وعليه قس .

السبب الرابع : الغيرة
والغيرة تارة تكون بحق وتارة تكون بغير حق فالتي تكون المرأة فيها معذورة كأن تكون الغيرة بسبب الرجل وقبيح تصرفاته فترى مكالمات في أوقات مريبة أو يكون مجاهرا فيريها صورا له مخلة أو تطلع في جواله على مثل هذا البلاء ونحوه ,
وأما الغيرة التي لا تعذر المرأة فيها ولا تكون على حق فهي التي تخرج المرأة فيها عن صوابها وتتصرف تصرفات تعود عليها وعلى بيتها بالضرر لا بالنفع بدون سبب وجيه معتبر ومن النساء من تفقد صوابها بمجرد الشك وليعلم أن الشارع لا يلتفت لمثل ذلك فإذا وقع النشوز من المرأة في مثل هذه الحالة فإنه يترتب على نشوزها الأحكام الشرعية ويتعامل معها بناء على ذلك .

السبب الخامس : ما يتعلق بذات الشريك
فمنها ما يرجع إلى المرأة كعدم اهتمامها بنظافتها مثلا, , أو ما يمنع من الاستمتاع بها , وكذا الرجل أن يكون ضعيفا جنسيا أو لا يهتم بنفسه أو كثير سفر أو به مرض ما فكل هذا يؤدي إلى نفرة أحدهما من الآخر وهذا بدوره يؤدي إلى وقوع النشوز وقد يكون بأكثر من صورة .
وهنا يقال : إن كان العيب مما يمكن تداركه فينبغي أن يعالج إما واقعا ( بعلاج طبي …) أو شرعا بالمراحل التي قررها الشارع والتي أفردت لها بابا خاصا .
وأما ما لا يمكن استدراكه ( كرجل به برص مثلا أو حرق عم جسمه ) , فينظر هل هو طارىء بعد الزواج أم قبله وكلاهما دخل مع الثاني على بينة ؟
فبين المسألتين فرق فإن كان يعلم بحال صاحبه ودخل على بينة ثم نشز , فإما أن يصبر أو تجرى عليه أحكام النشوز وما ينبني عليه من تبعات .
وأما ما كان طارئا كأن تنشز المرأة بخروجها من بيت زوجها الذي ابتلي بحريق في جسده فصارت لا تستطيع أن تتحمل النظر إليه فهنا ثمة حكم آخر وهو أن لها حق الطلاق ولا يصار إلى الخلع – وإن كان طلب الفرقة من جهتها – إلا أن هذا يلحق بمن طرأت عليه العنة وأمهل فلم ينجع فيه إمهال فيطلق وليس له أن يطلب منها الافتداء لأن عنته عارضة بعد الزواج وكذا الحال فيمن عرض له عارض من جنون أو شلل أو… فلا تلزم المرأة بالمكوث معه ولا تطالب بإرجاع المهر , كيف وقد أفضت إليه وأفضى إليها ثم تطالب بإرجاع المهر مع تغير حاله المذكور ؟

السبب السادس : متعلق بالماديات
كطمع الرجل براتب زوجته الموظفة فيؤدي به إلى جفوها أو إهانتها أو الإعراض عنها وهذا كله من النشوز لتسترضيه بالمال , فتتحسن أخلاقه فترة مؤقتة فإذا نفد ما عنده ساءت أخلاقه ثانية فتضطر المرأة – العاقلة – لاسترضائه حفاظا على البيت ومراعاة لنفسية الأولاد فتعطيه من مالها بصورة أو بأخرى ,كأن يكون الاسترضاء بإصلاحات في البيت أو شراء بعض لوازم الأولاد .. الخ .
وأما المرأة فإذا ابتلي الرجل بامرأة عصرية جدا , مولعة ( بالموضة) ومحبة مجاراة النساء فأعانه الله , فمن النساء من رغباتها لا تنتهي عند حد وإذا قصر – على مفهوم نساءها – فإن نشوزها يتخذ صورا شتى من كثرة النقاشات والإهمال في البيت وطول المكالمات وتشويه صورته أمام أهله وأهلها ومنهن من تمنع زوجها نفسها حتى يقضي لها حاجتها فتنغص عليه حياته وحياة أولادها وكل هذا يعد في نظر الشرع نشوزا .
فأما ما يتعلق بالرجل الذي طمع في زوجته فهذا ينبغي – صيانة للمرأة ناهيك عن حفظ البيت – أقول ينبغي أن يتفاهما على جزء من الراتب تعطيه له وإن خافت أن ينقلب عليها فيكون التفاهم أمام مصلح من أهلها ومصلح من أهله ولا بأس بأن ويثبت رسميا ولا عيب في ذلك البتة , فإذا لم يخجل هو أن يطلب فلماذا نطلب منها أن تستح من إثبات ذلك ؟ وأقول بهذا التفاهم على متقطع من الراتب لأن نسبة محددة معروفة خير من أن تضع مبلغا غير محدد ما بين الفترة والأخرى وقد لا يرضيه فتضاعف المبلغ فتجد المسكينة خسارتها أكثر من تعب وظيفتها !.
وأما جشع المرأة فعلاجه يكون عن طريق تزهيدها وتذكيرها بالآخرة وقد يكون بالهجر وهذا سيأتي تفصيله بإذن الله .

السبب السابع : الظلم والتعدي
فإن العناد وسوء الخلق قد يظهر- أحيانا – بسبب الظلم وبخاصة عند تتابعه زمنا بعد زمن وهذا في الغالب يكون من الرجال على النساء فتصبر دهرا ثم لا تلبث أن تخرج من عقالها فيتعجب الرجل ولا يدري أنه السبب في هذا البلاء .
مثاله : بعض الرجال قد يتزوج بثانية , وهذا أباحه الشارع عز وجل لكن أن يؤدي به هذا لأن يميل للثانية دون الأولى ميلا ظاهرا واضحا مصحوبا بالظلم في الحقوق كعدم ضبط القسم – هوى لا جهلا – أو عدم العدل في الهدايا والأعطيات فهذا قد ترك ما أوجبه الله عليه من القسط فليتحمل بعدها ما يصيبه – وكأن ما يعقب فعله من المشاكل عقوبة كونية على عدم الالتزام بالأحكام الشرعية – ولو أنه طيب خاطر زوجته الأولى – ولا أحب أن أقول القديمة بل عبارة “الأولى” فيها التقديم والرفعة والجبر لها – أقول لو أنه طيب خاطرها وأهداها بالمعروف , وأزال عنها ما يلقيه الشيطان من ظن بعدم العدل إن كان قام بواجبه , أو بين عدم صحة الأخبار التي تصلها من الناس – إما قصدا منهم للإفساد أو بغير قصد عن غفلة – لكان هذا مشعرا لها بأهميتها عنده وأن زواجه الثاني ليس ” إحالة لها إلى التقاعد ” بل أنها الأصل وأن ما أمضاه عندها كان أجمل عمره إذ كانت أول تجربته في الحياة كل هذا فيه خير عظيم –وهناك أمور لا تكلف شيئا ! – بل فيها دفع لنشوز المرأة وتطييب لنفسها ونفسه هو فإن ثورتها هي الدافع المحرك للنشوز فليبن الرجل خيرا من أن يهدم
لا تبر العود الذي ريشته حاشا لباني الجود أن يهدمه
سئل شيخ الإسلام رحمه الله :
عن رجل له امرأتان ويفضل إحداهما على الأخرى في النفقة وسائر الحقوق حتى إنه هجرها فما يجب عليه ؟
فأجاب: يجب عليه أن يعدل بين المرأتين وليس له أن يفضل إحداهما في القسم فإن النبي قال : ” من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما أكثر من الأخرى جاء يوم القيامة وشقه مائل ” وإن لم يعدل بينهما فإما أن يمسك بمعروف وإما أن يسرح بإحسان والله أعلم

السبب الثامن : عدم التربية الأخلاقية الصحيحة
والأخلاق وإن كانت من الدين إلا أنها لمكانتها وعظيم أثرها أفردت في الشريعة , وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واضح في هذا : إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه … الحديث , فقد فرق بين الدين والخلق مع أن الخلق من الدين وهذا يسمى في الشريعة عطف الجزء على الكل لبيان أهمية الجزء .
فإذا تقرر هذا فإن غالب المشاكل الأسرية مردها إلى أزمة أخلاقية منتشرة في المجتمع إلا عند من عصمهم الله من هذا والعلاج يكمن المناصحة بين الزوجين لا المفاضحة وعدم خروج المشاكل خارج محيط الأسرة إذ أن هذا من أكبر أسباب القطيعة , وكم من زوجين خرجت مشاكلهما خارج دائرة البيت ثم تراجعا وصلح حالهما إلا أن القطيعة استمرت بين الزوجة وأم الزوج أو بين الزوج وإخوة الزوجة بسبب ما كان بينهم قبل صلحهما – أي الزوج والزوجة – .
فإن لم تفد المناصحة انتقل إلى ما بعدها على ما سيأتي بحول الله وتوفيقه .

المبحث الثاني : في التعامل مع الناشز
وفيه مطلبان :
المطلب الأول : التعامل مع الزوجة الناشز
• المرحلة الأولى : تشكيك الإسلام الزوج في وجدانه
• المرحلة الثانية : ظهور بوادر النشوز من الزوجة
• الدرجات الثلاث الواردة في الآية (واللاتي تخافون نشوزهن ..).
• الأقوال في التدرج
• مسائل متعلقة بالنفقة
• المرحلة الثالثة : إذا لم ينجح الزوج بعد الدرجات السابقة ؟

المطلب الثاني : التعامل مع الزوج الناشز
• الأصل فيه
• مراحل التعامل معه
• الصلح وأقسامه :
- صلح على شرط
- صلح على عوض
- صلح على حق ( كإسقاط نفقة أو مبيت …)

المطلب الأول
التعامل مع الزوجة الناشز
أقول إن مما أحدثته تلك المسلسلات والأفلام الهابطة دينيا وسلوكيا واجتماعيا بأن بثت بدعة المسارعة إلى الطلاق بمجرد ظهور إمارات النشوز من المرأة , وأقبح منها تأكيدها – أي تلك المسلسلات – على بدعة أقبح منها ألا وهي بدعة طلاق الثلاث تتابعا , وليس البحث في أحكام الطلاق بل في مسألة نشوز المرأة 

وهل للرجل أن يطلق بمجرد نشوز زوجته عليه ؟
 فأقول :
الشرع لم يأت بمثل هذا بل جاء بمراحل قبلها حفاظا على البيت المسلم والنشء المسلم والمجتمع المسلم !
ولذا يحسن في هذا المبحث أن نتحدث عن هذه المراحل التي لا ينبغي للمسلم تجاوزها حتى لا يعض أيدي الندم فيما بعد , وقد خسر زوجته وضيع أولاده 
فأول هذه المراحل : تشكيك الإسلام الزوج في وجدانه 
وذلك إن أحس بكره لزوجته قال تعالى ( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) , وتأمل قوله تعالى كرهتموهن فإن الكره قد يأتي بأسباب منها النشوز وقد يأتي بغير سبب فذكره الله تعالى أن ليس كل كره منبعه حق فحذار من التسرع فلعل للخطأ مدخل
لعلك تظن أن ما ليس لك بحق هو حق لك فتظلم المسكينة فالواجب لمن رأى من زوجته ما يكره أن ينظر فإن كان ما يكرهه صفة لازمة لها لم تستطع هي تغييرها فليجعل هذه الآية نصب عينيه , ولتتأمل المسلمة دفاع الله عنها ورحمته بها كيف جاء هذا الخطاب للأزواج حاضا لهم على التمسك بزوجاتهم حتى لا تجد المسكينة نفسها وحيدة تتحمل أعباء الحياة !

المرحلة الثانية : ظهور بوادر النشوز من الزوجة
إن الإسلام منهج حياة متكامل , وهو من تشريع الرب العظيم لعباده ,ولذا فإن الإسلام يعالج الواقع من أصله إذ هو يعرف حقيقة النفس البشرية خلافا لتلك النظم البشرية الناقصة!
إن الإسلام أمر الزوج بمجرد أن تظهر بوادر النشوز أن يبادر بمعالجة الأمر قبل استشراءه في جسد الأسرة فيفت في عضدها فتا !
قال جل ذكره : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا ) !
قال صاحب التحرير : تخافون نشوزهن أي تخافون عواقبه السيئة , فالمعنى أنه قد حصل النشوز مع مخائل قصد العصيان والتصميم عليه ا.ه
قلت : وعليه يكون المقصود : واللاتي تخافون عواقب نشوزهن فيفهم أنه وقع النشوز , وذهب آخرون إلى أن الخوف هو المقصود قال القرطبي رحمه الله في جامعه : الخامسة : قوله تعالى ( تخافون نشوزهن) اللاتي جمع التي وقد تقدم , وقال ابن عباس تخافون بمعنى تعلمون وتتيقنون , وقيل هو على بابه ” . أ.ه
قلت والتحقيق القول الأول ذلك – على تقدير تخافون عواقب نشوزهن الحاصل – لأنه لو المعنى على غلبة الظن فكيف يهجرها في المضجع أو يضربها على أمر لم يقع بعد ؟؟
فمخطئ ذاك الرجل الذي ينتظر حتى تستعصى المرأة عليه ويسقط تدريجيا من عين أفراد أسرته ثم يحاول الخلاص والخروج من هذا المأزق وقد يكون الأمر عسيرا بمكان فتكون الخسارة كبيرة .
كما أن في الآية دليلا واضحا على باب عظيم من أبواب الإسلام ألا وهو إغلاق باب المفاسد وهو ما يعرف عند الأصوليين بباب سد الذرائع !
وجهه أن الله أمر بمجرد ما يغلب على الظن من خوف يهدد الأسرة من نشوز حاصل فعليه ألا ينتظر حتى يستفحل فيبادر بالنصح ترغيبا وبالوعظ ترهيبا حتى يكمل ما أمره الله به .
وفيه أيضا أن العمل بغلبة الظن معتبر في الشريعة إذ قوله تعالى: ” تخافون ” ليس المقصود مجرد الخوف الناشيء عن الخواطر البعيدة , بل الخوف المبني على قرائن حاصلة يراها أمامه فيشعر الرجل ويغلب على ظنه أنها تهدد حياة أسرته واستقرارها ! فهنا يبادر بالعلاج الرباني الحكيم .

ونجد في الآية أن هذه المرحلة لها درجات :
الدرجة الأولى : الموعظة
الدرجة الثانية : الهجر في المضجع
الدرجة الثالثة : الضرب
ولكل درجة منها أحكامها الخاصة وهذا بيانها :

الدرجة الأولى : وعظ الناشز
والمقصود به تخويفها بالله سبحانه وتذكيرها بحق زوجها عليها وما يجب له عليها من الطاعة وحسن المعاشرة بالمعروف , ويدخل في هذا أيضا إعلامه لها بما يسبب مضايقة له من تبرم زائد أو تشكي أو مشاكسة تنغص صفو العيش , وغالبا النساء يراجعن ويناقشن فسوف تبادله النقاش وتبدي سبب ذلك النشوز ويحاولان التوصل إلى نقطة مشتركة يتفاهمان من خلالها !
وخلال هذه الدرجة التربوية الإيمانية مراتب لكنها لا تصل إلى حد السب أو الضرب بل كلها ضمن دائرة الوعظ ترغيبا وترهيبا .
قال الإمام الشوكاني في تفسير قوله تعالى : ( فعظوهن ) أي ذكروهن بما أوجبه الله عليهن من الطاعة وحسن العشرة ورغبوهن ورهبوهن .

الدرجة الثانية : الهجر في المضجع
والهجر جاء في الآية مبينا نوع الهجر وهو هجر المضجع , وهذا يتضمن مرحلة سابقة وهي الهجر في الكلام , إلا أنه لا يجوز أن يزيد هجره لها في الكلام عن ثلاثة أيام لقوله عليه السلام : ” لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار ” .
فإن لم يفد هجرها في المضجع لا خارج البيت , فيولها ظهره في الفراش ويعرض عنها , قال الشوكاني:” والمضاجع جمع مضجع وهو محل الاضطجاع : أي تباعدوا عن مضاجعتهن ولا تدخلوهن تحت ما تجعلونه عليكم حال الاضجاع من الثياب , وقيل هو أن يوليها ظهره عند الاضطجاع وقيل هو كناية عن ترك جماعها ” ا.ه
وهل له الإيلاء ؟ وأقول إن الناشز تستحق التأديب ومنه الإيلاء وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه شهرا فعن عائشة رضي الله عنها قالت : آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نساءه وحرم , فجعل الحلال حراما وجعل لليمين كفارة , وحده أربعة أشهر لقوله تعالى : ( للذين يؤلون من نساءهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ) فلا يجوز له أن يزيد في إيلاءه عن أربعة أشهر إما رجع وإما طلق ولا يقع الطلاق بمجرد بلوغ المدة على الصحيح من قولي العلماء فإن عقد الطلاق ميثاق غليظ لا يحله إلا ما جعله الشارع مبطلا له بيقين .

مسألة :ما الحكم إذا كان نشوزها من باب منعها له من وطئها , فهل له أن يسقط حقها في القسم فيقسم لنسائه دونها , كما لو لم تكن ؟
إذا كانت هذه حالها فالحكم أنها أسقطت حقها بنفسها فلا قسم لها بل يقسم لنسائه كما لو لم تكن موجودة , وليس هناك ما يبيح للمرأة أن تمتنع عن تلبية رغبة زوجها ولا يقبل عذر ولو كان عملها – مهما كان – أو اختباراتها زعمت كل هذا ملغي أمام إحصان زوجها , والمؤمنة العاقلة هي تحافظ على زوجها من رياح الفساد التي انتشرت غاية الانتشار في زماننا , وكم ممن أبت أن تجيب زوجها فكانت النتيجة أن وقع بخادمة أو وجد مصرفا آخر فلم يستطع الفكاك منه ولا الخلاص , وبعض الساذجات تقول ينتظر حتى أكمل عملي ثم آتيه فتأتيه في وقت هو منهك ومتعب آخر النهار فتتزين له لكن في وقت هو لا يريده وقد يقضي شهوته دون وطره وبين الأمرين فرق أعني أنه قد لا يذهب ما في نفسه منها فيقع في الحرام , ولو بعد حين وقد لا تكتشف إلا بعد سنين وهذا كله من نقصان العقل ومخالفة النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول : ” إذا دعى أحدكم امرأته فلتجبه ولو كانت على تنور ” فغيرت بعض النساء الحديث إلى : فلتجب دفتر التوقيع وبطاقة دخول العمل !!
أقول إنصافا وبيانا : إلا أن يكون عذرا شرعيا معتبرا شرعا فإن منعت زوجها فيهجرها وتسقط نوبتها وتعليله أنه إذا جاز له هجرها في المضجع جاز له إسقاط نوبتها ونقلها إلى زوجته أو زوجاته الأخريات , قال الشافعي رحمه الله : وأصل ما ذهبنا إليه من أن لا قسم للممتنعة من زوجها ولا نفقة ما كانت ممتنعة , لأن الله تبارك وتعالى أباح هجرة مضجعها وضربها في النشوز .

الدرجة الثالثة : الضرب
وقد جاء وصف الضرب في السنة بقوله عليه السلام: ” فاضربوهن ضربا غير مبرح ” فالضرب المأذون به هو ضرب التأديب لا ضرب التشفي , بل قد نهي عن أن يجلد الرجل امرأته جلد العبد كما جاء في الحديث الذي خرجه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” يعمد أحدكم يجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه”.. “
قال ابن قدامة رحمه الله : ” ولا يبرح بالضرب للخبر .. وعليه اجتناب المواضع المخوفة والمستحسنة لأن المقصود التأديب لا الإتلاف والتشويه ” .

ويندرج تحت هذا مسائل :
الأولى : هل يجب على الزوج أن يتدرج في هذه المراحل عند التعامل مع زوجته الناشز أم هو على الخيار في الانتقاء بينها وتقديم بعضها على بعض ؟
وجوابه :
 أن هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على قولين :
القول الأول : أن الترتيب واجب , وليس له أن يبادرها بالضرب بمجرد النشوز !
قال الشيخ محمد بن عثيمين موجها لهذا القول : ” تقديم الشيء على الشيء يدل على الترتيب في الأصل , ولهذا لما قال الله عز وجل : إن الصفا والمروة من شعائر الله ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : أبدأ بما بدأ الله به “… ثم استطرد قائلا : ” إن الله وإن ذكر هذه الثلاث المراتب بالواو فإن المعنى يقتضي الترتيب لأن الواو لا تمنع الترتيب , كما أنها لا تستلزمه .
فعليه نقول : – والكلام ما زال للشيخ محمد – المسألة علاج ودواء فنبدأ بالأخف الموعظة ثم الهجر في المضاجع ويضاف إليه الهجر في المقال , ثم الضرب ” ا.ه
قلت : فالشيخ محمد رحمه الله يرجح هذا القول ويؤيده .
وقال ابن قدامة رحمه الله : ” وظاهر قول الخرقي : أنه ليس له ضربها – يعني بأول نشوز – لأن المقصود بهذه العقوبات زجرها عن المعصية في المستقبل فيبدأ بالأسهل فالأسهل كإخراج من هجم على منزله ” ا.ه
القول الثاني : أن له أن يضربها بأول نشوز ,
قال الزركشي موجها لهذا القول: ويشهد لهذا قول أحمد إذا عصت المرأة زوجها فله أن يضربها ضربا غير مبرح فأجاز ضربها بمجرد العصيان وهو مقتضى الحديث السابق وقد قاله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته بعرفة ا.ه
قلت يشير إلى حديث سبق وهو قوله عليه السلام : ” إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح “
والتحقيق أن مسألة الضرب ليس لها تعلق بكون النشوز أول مرة أو ثاني مرة ولا بعدده بل بنوعه , فقد يكون نشوز المرأة قبيحا بمكان بحيث يستلزم تأديبها بالضرب كأن تقذف زوجها مثلا وقد يتعدد منها النشوز فلا يليق بالعاقل أن يبادر إليه كتفريطها في غسل الملابس , أو إهمالها إبلاغ أمر ما أوصاها به ونحو ذلك .

الثانية : ما الحكم إن كان نشوزها بأن خرجت المرأة من بيت زوجها بلا إذن منه فهل تستحق النفقة ؟
إذا فعلت هذا فإنه لا نفقة لها خلال المدة التي تركت فيها منزلها بلا إذن من زوجها وكذا لو سافرت بلا رضى منه ولو مع محرمها , وقال شيخ الإسلام :” إذا سافر محرمها بها بغير إذن الزوج فإنه يعزر على ذلك وتعزر الزوجة إذا كان التخلف يمكنها ولا نفقة لها من حين سافرت والله أعلم ” ا.ه
قلت : لأنها ضيعت منافعها على زوجها فلم تستحق النفقة بذلك , ثم إن هذا الفعل منها معناه أنها قطعت على نفسها وعلى زوجها درجات من الإصلاح وهذا من حيث الأصل تعدي على حدود الله إذ لا يجوز لها ترك بيتها حتى في حال طلاقه لها طالما أنه طلقها طلاقا رجعيا فكيف بمن لم يطلقها زوجها أصلا ؟

ويتفرع على ما سبق :
لو أن سفرها كان للتغريب بأن زنت فغربت أو حبست ولو ظلما فهل لها نفقة ؟
وصورته : أن يعقد رجل على امرأة ولم يدخل بها فتقع والعياذ بالله في الزنا فيحكم عليها القاضي فتجلد وتغرب .
والتحقيق أن لها النفقة إذ ليس المانع من جهتها بل من جهة الشرع فهو الذي أمر بالتغريب , فكيف نجمع عليها عقوبتين ؟؟
إن مثل هذا الجمع يعد زيادة عما قرره الشارع الحكيم , ولو كان مرادا مثل هذا الاستثناء في النفقة وإبطال الأصل – أصل وجوبها على الزوج – لبينه الشارع تبارك وتعالى ( وما كان ربك نسيا ) فكيف يبطل ما ثبت بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة لمجرد الظن الذي لا دليل عليه ؟؟
أم كيف يبطل أمر دل عليه الدليل ثم الاستصحاب فهذان أمران متعاضدان والقول الآخر مجرد تعليل , وما بمثل هذا ترد الأدلة !
ويتفرع عليه سؤال : 
ماذا لو كان سفرها بغير رضاه لكن كان لمصلحة شرعية ؟
يقال إن كانت المصلحة الشرعية أكبر من رضاه فالنفقة متعلقة بذمته ولا سقوط لها لكن من الذي يوازن بين المصلحة الشرعية المعتبرة ورضى الزوج فتبقي نفقة المرأة في ذمته إلا أهل العلم الراسخين ؟
مثاله : رجل سافر مع زوجته إلى الخارج وفجعت بأن الرجل يأمرها بشرب الخمر – زورا سماها شرابا روحيا – فأبت عليه فوبخها ونالها منه ضرر, وما زال يشرب ويشرب حتى ثمل! فغادرت البلاد وعادت بلا رضى منه إذ هو ليس بمؤتمن على نفسه فضلا عن غيره !

وعكس ما سبق : 
ماذا لو امتنعت عن السفر معه ؟
فيه تفصيل :
هل اشترطت عليه أن تبقى في بلد أهلها , أم لم تشترط ؟
فإن كانت اشترطت فعليه الوفاء لقوله عليه السلام : إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج !
لكن المرأة العاقلة تنظر لمصلحة بيتها ونفسها فلا تتسرع في اتخاذ قرار ما قد يضرها فيما بعد , وتوازن بين المصالح والمفاسد قبل الإقدام على أية خطوة , ولا تربط استقرارها بحياة أهلها فإن أهلها اليوم هم أبناؤها وزوجها .
فإن لم تشترط فتكون ناشزا , لأن هذا معناه أنها منعته من نفسها فهب أن الرجل كان سفره لمصلحة أسرته كما لو نقل عمله إلى مدينة أخرى , فكيف تقف المرأة حجر عثرة في وجه ذلك ؟
وثمرة ذلك أنها لو استمرت في رفضها الانتقال معه , فإن للقاضي أن يأمرها بالخلع فتفتدي نفسها لأن المنع كان من جهتها لا من جهته هو .

الثالثة : هل له أن يسقط النفقة عن زوجته الناشز التي لم تخرج من البيت ؟
وصورته : أن تنشز عليه بأن تمنعه نفسها فهل له أن يمنع عنها النفقة ؟
والتحقيق : أنه لا يجوز له أن يسقط النفقة الأساسية بمعنى لا يحل له أن يجوعها أو يتركها بما لا يسترها من اللباس السابغ الشرعي , لأن هذا التعلق – أعني الأساسي من النفقة – من باب التعلق الوضعي فعقد النكاح يوجب النفقة الأساسية فطالما أنه باق فذمته مشغولة بهذه النفقة ولو فرط فيها فهو ممن يصدق عليه أنه ضيع ممن يملك قوته !!

 ويقال أيضا : إذا كانت النفقة من باب المقابلة في استيفاء المنافع الشرعية منها وأهمها الوطء – على قول بعض أهل العلم – فهل يقال بأن الرجل لو عجز عن النفقة أو منعها بخلا بأن لها أن تمنع نفسها منه ؟

 لا يقال بهاذا , والنبي عليه الصلاة والسلام لم يأمر هند بنت عتبة أن تمنع نفسها من أبي سفيان لبخله بل قال : ” خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف” فالنفقة تلزم بعقد النكاح وتمكنه منها – بمعنى بقاءها عنده – لا بحصول الوطء وغيره من المنافع .

فإن فاتته بنفسها بالكلية فهنا يكون سقوط النفقة والفرق بين النشوز الجزئي – عصيانها مع بقاءها في البيت – والنشوز الكلي – الذي تهجر فيه الناشز بيتها بالكلية – أن الأول تفوته بعض المنافع لا كلها , وأن له عليها نوع قدرة , بخلاف تلك التي عطلت منافعها منه بالكلية فلا يعود قادرا على استيفاء شيء منها فمن هنا كان سقوط النفقة لعدم القدرة عليها .

 الرابعة وهنا قيد: وهو ألا تكون حاملا , وهذه مسألة مستقلة  , وبيانها :
الناشز الحامل :
وموضع البحث في الناشز الحامل التي خرجت من بيت زوجها بلا إذن منه ,
 فما الحكم في هذه الحالة ؟
والجواب :
أن الحامل الناشز ولو خرجت من البيت فإن النفقة تثبت لحق الجنين على الصحيح من قولي العلماء , ذلك أن النفقة ثابتة للجنين فلا تسقط عنه بحال كما لو أخذته عنوة من أبيه , فهذا لا يسقطها عنه إذ لا ذنب له في ذلك , وإذا كانت النفقة تثبت للطفل إن اختار أمه بعد سبع وتبقى له ولو فارق أباه باختياره فلأن تثبت النفقة له وهو لا يملك من أمره شيئا من باب أولى فهذان تعليلان مقابل تعليل واحد .
قال الزركشي : الناشز لا نفقة لها لأن النفقة وجبت في مقابلة تمكينها , ومع النشوز لا تمكين وإن كان لها منه ولد أعطاها نفقته لأنها واجبة له فلا يسقط حقه بمعصيتها …
وهل حكم زكاة الفطر عن الناشز مثل حكم النفقة ؟
قولان لأهل العلم : الأول أن زكاة الفطر لا تلزمه وتسقط عنه قياسا على النفقة , قال في المبدع :
ولا يلزم الزوج فطرة الناشز في الصحيح من المذهب لعدم وجوب نفقتها ففطرتها عليها أو على سيدها
 والمراد إذا كان نشوزها في وقت وجوب الفطرة
وقال أبو الخطاب تلزمه لأن الزوجية ثابتة عليها فلزمه فطرتها كالمريضة
والتحقيق : أن زكاة الفطر تتعلق بذمة الزوج ولو نشزت زوجته عليه كما قال أبو الخطاب رحمه الله فهي باقية شأنها شأن بقاء الميراث , فالناشز لو مات عنها زوجها فترث ولا فرق بين المسألتين ثم إن زكاة الفطرة متعلقة بحق الله أكثر من تعلقها بذات الشخص فلا يسقط حق الله بنشوز أمته والله أعلم .
ومثل هذا النقاش مما يكون لتنزيل الفروع على القواعد والأصول ليس إلا وإلا فالناس غالبهم في سعة ولا يسألون عن مثل هذا .

الخامسة : وما الحكم إن كان غيابها عن البيت بسببه هو كأن يطردها من البيت ؟
فهنا نقول بأن ذمته مشغولة بالنفقة لأنه هو الذي فوت على نفسه منفعة زوجته وعصى ربه بسوء العشرة لها والله يقول ( وعاشروهن بالمعروف ) فلما ركب أحموقته : رجع عليه شؤم معصيته بعدم استيفاء منافع زوجته أولا , ولزوم النفقة التي لا تسقط إلا بأن يكون خروجها من البيت من جهتها وباختيارها ثانيا !

السادسة : وماذا لو كان نشوزها يتعلق بالسلوكيات ؟
جواب هذا لا يحسن فيه الإجمال إذ السلوكيات جنس واسع والتعامل مع أخطاءه ليس على درجة واحدة , فهناك من تلين في حديثها مع الرجال كالباعة مثلا وقد يكون اللين فيها طبعا وليس تعمدا فهنا يعظها ويبين لها ويلتزم مرافقتها في السوق صيانة لها , وهناك من النساء من تتساهل بالحجاب أو بمصافحة الرجال فهنا يتدرج معها ببيان الحكم الشرعي حتى لا يبقى احتمال التأول , فإن أصرت تأولا بين لها أن طاعة الزوج أوجب من المصافحة – جدلا- فلا تضيع الواجب الذي هو طاعة الزوج على ما تراه هي مباحا – بزعمها – وهو مصافحة الأجانب فإن عاندت فله أن يؤدبها ولو بضربها حتى تترك ما هي عليه .

المرحلة الثالثة : إذا لم ينجح الزوج بعد الدرجات الثلاث فماذا يفعل ؟
يلجأ والحالة هذه إلى المرحلة الرابعة وهي التحكيم وهي المذكورة في قول الباري تبارك وتعالى : (وإن خفتم شقق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها , إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) فإذا تمادت الزوجة في نشوزها فيطلب منها أن تعين عاقلا رشيدا من أهلها يمثلها ويأتي هو بمثله من أهله ويعقدوا مجلسا يناقشون فيه أسباب الخلاف ومن حكمة الشارع أن جعل الحكمين من أقارب الزوجين إذ غالبا إذا احتاجا إلى التحكيم فهذا يعني أن الخلاف استشرى وانتشر وعرف في محيط الأسرة من الطرفين فناسب أن يكون الحكمان من الأقارب فضلا عن أن العقلاء من الأقارب يهمهم أمر الزوجين بحكم علاقة الرحم فيسعيان جاهدا للإصلاح .
فإن لم يجد التحكيم وأصر كل واحد منهما على رأيه فعندها ينتقل للمرحلة الأخيرة وهي مرحلة الطلاق وله أحكامه التي ليس ههنا مجال التفصيل فيها .

ويتفرع على هذا مسألة : هل للزوج أن يضيق على زوجته لتفتدي منه ؟
التضييق الذي يراد منه أن تفتدي المرأة نفسها من زوجها تارة يكون بحق وتارة يكون بباطل !
فإن كان التضييق بغير وجه حق فيوقع الرجل الظلم على زوجته فتريد الخلاص منه بأي طريق فيأبى عليها إلا أن تخالعه فتخالعه رغبة في الفكاك من ظلمه فهذا من الاعتداء على حدود الله ومخالف لوصية رسول الله إذ يقول عن النساء : إنهن عوان – أي أسيرات عندكم – ويقع خلعا وتترتب عليه أحكام الخلع إلا أنه آثم لظلمه لها : ظلمات بعضها فوق بعض , بأن ابتدأها بالتضييق بغير وجه حق ثم بأخذ مالها والله يقول : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) وعند الله تجتمع الخصوم .
أما إن كانت هي الظالمة العاصية لزوجها فيما هو من حقه عليها : فضيق عليها لتفتدي منه بمهرها فهذا جائز لأنها هي المعتدية .
وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجل تزوج امرأة من مدة إحدى عشرة سنة وأحسنت العشرة معه وفي هذا الزمان تأبى العشرة معه وتناشزه : فما يجب عليها ؟
فأجاب رحمه الله : لا يحل لها أن تنشز عليه ولا تمنع نفسها , …. إلى أن قال : فإذا أصرت على النشوز فله أن يضربها وإذا كانت لا تقوم بما يجب للرجل عليها فليس عليه أن يطلقها ويعطيها الصداق بل هي التي تفتدي نفسها منه , فتبذل صداقها ليفارقها ..

المطلب الثاني التعامل مع الزوج الناشز
الأصل فيه :
قوله تعالى : (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير )
والمقصود بالنشوز : التباعد , والإعراض : ألا يكلمها ولا يأنس بها .

مراحل التعامل مع الزوج :
لا شك أن للتعامل مع المرأة خصوصية تختلف عنها في الرجل , ومن هنا كان التعامل مع الزوج الناشز يختلف عن التعامل مع الزوجة الناشز !
فالزوجة الناشز قد مرت مراحل التعامل معها مفصلة في المبحث السابق ,

 أما الزوج الناشز فأول مراحل التعامل معه :
مرحلة الوعظ والتوجيه
بأن يذكر منها أو من غيرها بقوله تعالى ( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )
فلا تكن نظرته لما يراه بل يجب أن يعلم أن هناك أمورا أخرى قد لا يراها وتكون العاقبة من وراءها خيرا , وقد مر الكلام على هذه النقطة في المبحث السابق بما لا داعي للوقوف عنده وتكراره .

المرحلة الثانية :مرحلة التحكيم
إذ لا يوجد في باب تعامل المرأة مع زوجها الناشز هجر في المضجع بمعنى أن تمنعه من نفسها فلا تمكنه من وطئها : هذا ليس موجودا لأنه مخالف لقوله عليه السلام إذا دعى أحدكم امرأته إلى فراشه فأبت عليه بات الذي في السماء ساخطا عليها .. هذا أولا ,

 وثانيا : لأنه مخالف لأصل العقد الذي يعني حل الاستمتاع ,

 وثالثا : لأن منعها له من وطئها من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الخلاف وتفاقمه , وإذا كان لا يوجد هجر من قبل المرأة لزوجها الناشز فالضرب من باب أولى أمنع وأبعد فهو مخالف لمقتضى القوامة,

 فعندنا مرحلتان الوعظ والتذكير ثم التحكيم فتلجأ المرأة العاقلة لهذه الوسيلة المشروعة ,

وقوله صلحا بالتنكير يفيد العموم في مثل هذا المقام بمعنى أي نوع صلح فهو مقبول ولو كان على جزء من مهرها
لئلا يفهم من قوله ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) فليست الآية الأخيرة على إطلاق المنع .
قال الشوكاني في الفتح :
وظاهرها – أي قوله تعالى : يصلحا بينهما صلحا ..- أنه يجوز التصالح بأي نوع من أنواعه إما بإسقاط النوبة أو بعضها أو بعض النفقة أو بعض المهر .

المبحث الثالث :
الصلح بين الزوجين أنواعه
وأحكامه

وفيه مطالبان :
الأول : الأصل في الصلح وشرطه
الثاني : أقسام الصلح بين الزوجين :
• على شرط
• على عوض
• على حق

المطلب الأول

الأصل في الصلح وشرطه
في هذا المبحث نتطرق لأنواع الصلح وأحكامه والأصل فيه الجواز لقوله عليه السلام”الصلح جائز بين المسلمين ” وشرطه : ألا يكون سببا في انتهاك المحرم .
وينبغي على المحكمين أن يكونا على دراية بأحكام الصلح فهذا ضمين – بعد توفيق الله تعالى – بالتوصل للاتفاق الطيب إذ من كان على دراية بأحوال الأسرة وإلمام بأحكام الصلح وصلحت النية وشاع التوفيق من الله : فارج خيرا لهذين الزوجين .

المطلب الثاني :
أنواع الصلح بين الزوجين
وعموما فإن للصلح في مثل هذا المقام أنواع :
الأول : صلح على شرط
والثاني: صلح على عوض
والثالث : صلح على حق
وسنعرج عليها بشيء من التفصيل فأقول :
النوع الأول : الصلح على شروط
ومن المهم جدا في هذا المقام أن نبين ما المقصود بالشرط عندما نقول به في مثل هذا الصلح ذلك أننا لو عرفناه بالشرط المعهود عند الفقهاء والأصوليين فإنه قد يلزم منه لوازم باطلة عند عدم الوفاء – كانتفاء عقد النكاح عند عدم وفاء الزوج بشرط تعليم زوجته مثلا – لذا فأرى لزاما أن نأخذ هذه المسألة بشيء من التفصيل فأقول :

الشرط عند العلماء : يختلف تعريفه باختلاف نوعه !

وأنواع الشروط أربعة وهي كالتالي :

• شرط عقلي : وهو ما لا يوجد المشروط عقلا بدونه كاشتراط الحياة للعلم.

• شرط عادي : شرط عادي وهو ما يكون شرطا عادة كاشتراط عدم تأجير
المؤجر ما استأجره عند طائفة من الناس .

• شرط لغوي : وهو ما يذكر بصيغة التعليق , بالأدوات : إن ولو وإذا…

• شرط شرعي : ما لا يلزم من وجوده الوجود ويلزم من عدمه العدم وهو المراد عند الإطلاق ويمثلون له بأنه لا يلزم من الوضوء
وجود الصلاة , ولكن يلزم من عدم الوضوء عدمها .

• شرط جعلي : وهو ما كان مصدر اشتراطه المكلف حيث يعلق تصرفاته ومعاملاته عليه  , كالشروط التي يتفق عليها المكلفون في النكاح والبيوع والصلح كما هو في مبحثنا هذا ,

 والشرط الجعلي مع كونه ملزما إلا أنه لا ينقض العقد بمجرد المخالفة بل هو متوقف على رضى من وقعت المخالفة في حقه .

فالمراد إذا في الصلح على شرط ليس الشرط بمعناه الشرعي العام – المراد عند الإطلاق – بل الشرط الجعلي

الذي يتفق عليه الزوجان الناشز أحدهما,

 فإن للمتضرر منهما أن يشترط على صاحبه عند عقد مجلس الصلح ما يكون سببا في رفع الضرر عنه وله أن يشترط ما شاء – إلا أن يكون انتهاكا لمحرم كما مر- ثم يحصل التفاوض بينهما عبر المحكمين – أو المصلحين – ويثبت حاصل ذلك قبولا كان أو ردا ..

مثاله :
زوجة نشز زوجها عنها وبدأ مع إعراضه يكثر السفر للخارج فتأزم الوضع بينهما وصارت المسكينة تخاف عليه وعلى نفسها من مغبة كثرة سفره للخارج بدونها أو أنه يسافر مع رفقاءه فتعاملت معه بالطرق الشرعية التي مرت ولم تجد نفعا فطلبت عقد مجلس بمحكمين فعقد مجلس الصلح فاشترطت ألا يسافر للخارج إلا لما لا بد له منه وبصحبتها فهذا شرط جعلي مقبول ولها ما اشترطت وعلى المحكمين أن يعينوها في ذلك .
مثال آخر :
زوج نشزت زوجته عليه فشعر بأن خالتها لها دخل في الموضوع إذ يزداد نشوزها بعد زياراتها لها وتكثر الطلبات ويزداد الإهمال … الخ فبعد أن استفرغ الزوج وسعه في الدرجات السابقة الذكر عقد مجلس الصلح فاشترط ألا تزور خالتها ولا تزورها خالتها إلا أن يلتقيا في مجلس عام كعرس ونحوه فهذا شرط مقبول إذ لم يقطعها بالكلية من رحمها وفي الوقت ذاته درء عن بيته مغبة تلك الاجتماعات التي لا تأتي بخير فهذا مقبول شرعا وعرفا .

النوع الثاني : الصلح على عوض
والعوض يكون بين الزوجين جائز إذ هو محض بذل , وقد يكون العوض عينا (أرض أو عمارة أو أثاث ) وقد يكون مالا يبذله أحد الزوجين لاسترضاء الآخر فهذا لا حرج فيه إلا أنه لا ينبغي المكاثرة والمبالغة في ذلك ,

 لأن من أسباب البركة في الزواج التيسير في المهر , فإذا كان ذلك ابتداء ففي أثناءه فهو أدوم .

النوع الثالث : الصلح على حق
والحقوق ملك لأصحابها فإذا تنازلوا عنها فإن التنازل مقبول من المكلف – البالغ العاقل – وله أصل في صحيح السنة وهو حديث أم المؤمنين سودة رضي الله عنها لما كبرت وخافت أن يتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهبت ليلتها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة .

فإن أرادت المسلمة مصالحة زوجها بجعله في حل من القسم مثلا , أو من نفقتها فذلك شأنها .

وكذا الزوج إن أراد أن يصالح زوجته على التنازل عن بعض حقه كالخدمة في البيت رجاء أن تبقى معه
 ويرى المصلحة في ذلك أكبر فله ذلك 
والله أعلم .

المبحث الرابع : في ارتفاع النشوز وأحكامه
وفيه مطالب :
الأول : بم يكون ارتفاع النشوز ؟
الثاني :هل لأحد الزوجين البقاء على ما كان عليه بعد ارتفاع النشوز
الثالث : الإخلال ببعض الشروط بعد الصلح

المطلب الأول : ارتفاع النشوز
يتبادر سؤال : كيف يرتفع النشوز ؟
والجواب : أن ارتفاع النشوز يكون بضد ما حصل به ,
 فإن كانت أغلظت له بالقول فبحسن الأدب واللين له , وإن كانت منعته من الاستمتاع بها , فبأن تمكنه من وطئها بلا صدود ولا تثاقل ,بل كما يحب الرجال من النساء أن يكن , وإن كان بخروجها من البيت فبأن ترجع له طواعية وإن كان بعدم الطاعة في المعروف فبعكسه وهكذا .

المطلب الثاني :
هل لأحد الزوجين البقاء على ما كان عليه بعد رجوع صاحبه عن نشوزه ؟
وبمعنى آخر :
 هل إذا ثابت المرأة إلى رشدها ونزلت عن ترفعها على زوجها فهل له أن يستمر على تعامله الشرعي المذكور من هجر أو ضرب غير مبرح أو ..الخ ؟
أقول الجواب على هذا في قوله تعالى ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا )
فالمقسط المنصف لا يتعدى حدود ما أمر الله به من علاج
 فإذا قبل بإرشاد الله تعالى ابتداء – وكلنا ذلك المسلم المسلم – فليقبله انتهاء بعد أن آتى أكله وحصلت ثمرته وإلا انقلب الناشز مطيعا المطيع ناشزا وهذا ليس بجيد ولا شرعا ولا عقلا !
وتأمل معي كيف ختم الله هذه الآية بتلك الإلماحة الربانية المهيبة فقال : ( إن الله كان عليا كبيرا ) ,
وكأن الخطاب للأزواج فيه نوع تخويف أي يا عبد الله تذكر إن رأيت في نفسك علوا عليها فالله أعلى وأجل , وإن كنت أكبر منها قدرة فالله أكبر منك !
قال الإمام القرطبي رحمه الله :
العاشرة : قوله تعالى ( إن الله كان عليا كبيرا ) إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب أي إن كنتم تقدرون عليهن فتذكروا قدرة الله , فيده بالقدرة فوق كل يد , فلا يستعلي أحد على امرأته فالله بالمرصاد فلذلك حسن الاتصاف هنا بالعلو والكبر .
هذا مع كونها هي البادئة المخطئة بالنشوز وهي التي قابلت إحسان زوجها إليها بالإساءة
ومع ذلك لما عادت لصوابها لم يكن لك – أيها الزوج -عليها من سبيل
وليس العجب أن تحصل منها هذه الزلة – فهذا وارد – لكن العجب أن ترجع هي عن اعوجاجها وتصير – أيها الزوج – معوجا !!
قال الشافعي في الأم :
 ومتى تركت النشوز لم تحل هجرتها ولا ضربها , وصارت على حقها كما كانت قبل النشوز .
وقال القرطبي في تفسيره :
 المسألة التاسعة : قوله تعالى ( فإن أطعنكم ) أي تركوا النشوز ( فلا تبغوا عليهن سبيلا ) أي لا تجنوا عليهن بقول أو فعل .
 وهذا نهي عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهن والتمكين من أدبهن , وقيل المعنى لا تكلفونهن الحب فإنه ليس إليهن .

المطلب الثالث: الإخلال ببعض الشروط بعد الصلح
وارد أن يحصل نكث عقب الاتفاق بين الأطراف المتنازعة , ويكثر في غير المسلمين لكن أن يحدث هذا بين المسلمين فلا ينبغي أبدا
 إذ مرد ذلك
 إما إلى جهل لقوله عليه الصلاة والسلام : ” المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا ” ,
 أو إلى لؤم والمسلم أبعد ما يكون عن هذا الخلق – هذا المفترض – هذا في الشروط
 وأما في الحقوق المتجددة , كالنفقة فهذه مسألة مستقلة تأتي,
فالمقصود أن على المصلحين والمحكمين ومن تصدى للتصحيح في المجتمع المسلم يجب عليه أن يشيع هذا بين المسلمين – أعني وجوب الالتزام بالشروط المتفق عليها – ويذكرهم بالله ويخوفهم به قبل بدء التحكيم والمصالحة وإلا كانت تحصيل حاصل !!
 إذ لو لم تصلح النوايا فلعل الصلح لا ينعقد أبدا بينهما وإن انعقد فيكون صلحا هشا لا بركة فيه وما ذاك إلا لسوء النية وخبث الطوية .

ولا أدل على هذا من قوله تعالى : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها : إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما )

فعلى أن العود في الضمير على الزوجين يكون المعنى :
 إن أرادا الصلح والخير فسيلقيانه ويؤول الأمر بينهما إلى المعروف , على أن بعض أهل العلم جعل عود الضمير في ( يريدا ) على الحكمين
واستدلوا بفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جاءه رجل وزوجته وقد وقع بينهما ما يقع بين الأزواج فأرسل لهما بحكمين
 فرجع الحكمان
وقالا : أبى الرجل وزوجته صلحا فضربهما بالدرة
وقال : لو أردتما إصلاحا لوفق الله بينهما !!
فحمل عمر- رضي الله عنه – الضمير على الحكمين وهذا من عجيب فقهه !!
قلت : وليس ما يمنع من أن يحمل الزوجان الضمير عليهما وأن يحمل الحكمان الضمير عليهما فهذا مما يبعث على تحسين النوايا , والعوام يقولون النوايا مطايا .
فإن حصل إخلال في بعض الشروط
 فينظر هل مرده إلى عدم وضوح الشرط في ذهن هذا المخل به ؟ أم أنه تراجع منه ؟
 فإن كان الخلل لفهم على وجه غير ذلك الوجه المراد فيبين المقصود والحمد لله .
فإن أبى وقل مثله فيما لو تراجع عن قبول الشرط فينظر للشريك هل يتنازل لشريكه عن مطلبه ؟
فإن تنازل فالحمد لله
وإن أصر كلاهما على رأيه
 فيرجح عليهما القاضي – إذ الإلزام من حقه – ويقترح عليهما المصلح – إذ مقامه مقام توفيق – فإن أبوا إلا الفراق
 فيذكران بالله تعالى ويؤمران بالاستعاذة بالله من الشيطان الذي هو أكبر سعيد بهذه الفرقة ,
 ويطلب منهما التفكر في حال شتات الأسرة وبقاء بعض الأبناء عند أمهم – كأن يكونوا دون السبع وهي لم تتزوج – والبعض الآخر عند أبيهم والصعوبات التي ستواجهها الأم في تربية الموجود عندها خاصة في مثل هذا الزمان والحيرة التي ستصاب بها من التخيير بين الزواج وهذا حق لها إلا أن الأولاد سيؤولون إلى أبيهم وترك الزواج من أجل بقاء الأولاد معها وما يعقب هذا الفصام النكد من عواقب عاجلة وآجلة حتى على الزوج الذي لو بقي الأولاد معه وتزوج بثانية فقد تنقلب على الأولاد وتسومهم سوء العذاب
 فإن لم يحصل وفاق فالفراق !!
إما أن يفارق الزوجة الجديدة – وهنا سيتكبد خسائر –
 أو يكون الفراق للأولاد وهذا هو الغالب والأسهل والأرخص وسوف يتحمل مسؤولية التربية إما جد و جدة أو خالة أوعمة
وكله مر على الجميع !

بقيت مسألة الرجوع عن إسقاط الحقوق المتجددة التي مرت معنا آنفا فنقول :

إن تنازلت المرأة حقها أو بعضه استرضاء لزوجها ثم رجعت عن ذلك التنازل فما الحكم ؟

والجواب :

أن هذا جائز في باب الحقوق المتجددة , مثل النفقة والقسم ونحوها مما له أصل وهو متجدد ,
 فيجوز رجوعها عن تنازلها ولا يجب على الزوج القبول .

قال ابن قدامة رحمه الله :
” ومتى صالحته على شيء من حقها ثم أرادت الرجوع فلها ذلك ,
 قال أحمد في الرجل يغيب عن زوجته فيقول لها : إن رضيت على هذا وإلا فأنت أعلم , فتقول قد رضيت فهو جائز , وإن شاءت رجعت ” .

الخاتمة :
وفيها مطالب :

الأول : وجوب تقوى الزوجين الله –عز وجل – في هذا الميثاق الغليظ

الثاني : أن تكون الحياة مبينة على التراضي والتشاور

الثالث : وقفة مع بعض أسباب حفظ عماد البيوت

الرابع : توصية بتفعيل دور الإصلاح الاجتماعي من خلال :
• الموجهين الاجتماعيين في المراكز الصحية في الأحياء
• العمد في الأحياء وألا يكون دورهم إداري فحسب
• أئمة وخطباء المساجد

خاتمة البحث :
وقد جعلت في هذه الخاتمة مطالب طيبة لو أخذ بها الناس لحصل خير كثير
 وأول هذه المطالب : وجوب تقوى الله عز وجل في هذا الميثاق الغليظ
أعجبني أحدهم لما أراد ابنه أن يعقد نكاحه على صالحة جاءه وأعطاه جملة من النصائح والتوجيهات حتى علمه الطلاق وأحكامه الأساسية – كالطلاق للسنة .. – فقال الولد لأبيه : يا أبت أيننا وأين الطلاق ونحن لم نتزوج بعد ؟ !
فلم يعرف ذلك الشاب قيمة نصائح والده آنذاك إلا لما كبر وصار بمثل عمر والده فبانت له حكمة ذلك الوالد فترحم عليه وتمنى أن لو كان حيا ليبره كما بر ذلك الأب ابنه فأثمر بفضل الله زواجا ناجحا نسأل الله بقاءه إلى يوم يلقوه !!
أقول كم نحن بحاجة إلى مثل هذا الأب الذي يعد مدرسة ومعهدا للتربية والتعليم : يعلم ابنه حتى أحكام الطلاق وقوفا عند حدود الله وخوفا على ابنه من قوله تعالى : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها )
إن الزوجين لو جعلا تقوى الله نصب أعينهما فبعد ذلك لا تسأل عن روعة تلك الحياة في ضوء التقوى وظلال تعاليم الشريعة المتمثلة في كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وجميل الأنس بالمجتمع الذي تهب عليه نسائم الرحمة ونفحاتها نسأل الله تعالى من فضله .

المطلب الثاني : وجوب بناء الحياة الزوجية على التراضي والتشاور
وأصل هذا قول الله تعالى : ( فإن أرادا فصالا عن تراضي منهما وتشاور فلا جناح عليهما ) .
يقول عز وجل :
فإن أرادا :
 معناه الزوج والزوجة ولم يقل يريدوا إذا لا دخل لأهلهما في مثل هذا القرار الخطير أعني قرار الطلاق !
 إلا أن يقرر أهل الإصلاح – العقلاء لا أن يكونوا حمقى – أن الحياة استحالت بينهما فيشيرون عليهما بالانفصال ,
 وتأمل قوله تعالى : عن تراض منهما وتشاور :
 فقوله تراض فيه أن على الزوج ألا يستأثر باتخاذ القرار بمفرده , فكما دخل بيت أهل زوجته يوم أن دخل ليراها وعمت السعادة أهل البيتين وقبلت تلك الفتاة به ورضيته إذ رضاها معتبر كما رضيها هو , فكما دخلا بالتراضي فليتفرقا بالتراضي ,
 الله أكبر على هذا الدين العظيم والترتيب الإلهي المحكم ,
 ثم أعقب الله ذلك بقوله وتشاور :
 يعني :
 اسألوا من تثقون بعقله وحكمته ورأيه السديد والتشاور من المفاعلة أي تتبادلوا المشورة وفي الآية تقديم وتأخير
 فمعنى السياق :
 عن تراضي وتشاور منهما فكلاهما عليه بعد الاتفاق على الفراق أن يشاورا في أمرهما ,
 أين أحكام أهل الأرض وقوانينهم عن مثل هذا والله لو لم يكن في ديننا إلا هذه الآية لكفت دلالة على صدق هذا الدين .

وإذا كان هذا التراضي والتشاور حال الفراق فكيف بحال الاتفاق ؟

المطلب الثالث: وقفة مع أسباب حفظ البيوت
ألا وإن من أعظم أسباب حفظ عماد البيوت :
 المحافظة على الصلاة ,
 وينظر المسلم
 كيف أن الله عز وجل
 أدخل آيات الصلاة بين آيات الطلاق
 كما أدخل آيات الدعاء بين آيات الصيام ؟؟
قال بعض أهل العلم :
 هذا في الأول فيه إشارة إلى أن المحافظة على الصلاة فيها حفظ للبيوت الآمنة من الضياع وفيه سلامة البيوت الضائعة من الهدم .
وفي الثاني كأن الله يشير إلى أن من أسباب إجابة الدعاء الحفاظ على الصيام وهذا استنباطات جليلة جميلة .

كما أن من أسباب حفظ البيوت تلافي أسباب النشوز التي ذكرناها في أول البحث فلا حاجة لإعادتها , وإنما أردت الإشارة إلى المعنى الجميل السابق .

المطلب الرابع : توصية بتفعيل دور الإصلاح الاجتماعي من خلال :
• الموجهين الاجتماعيين في المراكز الصحية في الأحياء
• العمد في الأحياء وألا يكون دورهم إداري فحسب
• أئمة وخطباء المساجد

ووالله إني لأعجب أين تذهب كل تلك الدفعات من الموجهين الاجتماعيين والمتخصصين التربويين والمرشدين ,
 بل ويزيد عجبي عندما أسمع الطلاب يحجمون عن الدخول لمثل تلك الكليات بحجة أن المستقبل غير مضمون !!
نحن بحاجة لموجه لكل مائة طالب في الصرح التعليمي الواحد فإن احتوى على أكثر فبحسبه ,
 وأنا أتكلم عن بعض المدارس كان المشرف الاجتماعي ليس له من اسمه نصيب فتراه يعمل في ضبط المقصف ,
 أو التحضير لدروس التقوية , أو التنسيق للمباريات بين المدارس الأخرى و…و….
والطلاب تجد البعض ينزف من شدة التعاطي ( الشم ) وآخر ينام خارج المنزل لمشكلة عائلية انتهت بطرده منه , وثالث : قد تعثر دراسيا ورابع يجد مشكلة كبيرة بسبب تحرش الطلاب الآخرين به ,…
فأقول هذا في المدارس وبوجود المشرفين , فكيف بالمجتمع وبغياب الموجهين الأسريين أصلا ؟
لماذا لا يكون أمثال هؤلاء في المراكز الصحية التي بالأحياء ويكون للرجال مشرفون وللنساء مشرفات ؟
 فإن صلاح الأنفس والأسر لا يقل أهمية عن صلاح الأجساد !
يجب إعادة النظر في مسألة تفعيل دور الموجه الاجتماعي والتخطيط لأجيالنا القادمة
 كيف نربيها لتكون أسرا صالحة
وكيف نأخذ بيدها إن هي تعثرت في أثناء ذلك ؟
كذلك دور العمد في الأحياء يقتصر على التزكية والشهادة والأعمال الإدارية بصفة عامة والواجب أن يكون دورهم اجتماعيا تربويا في الأحياء وبالارتباط مع المساجد بحيث يكون هناك تنسيق على مستوى الأحياء ليدخل التصحيح إلى داخل البيوت ونستطيع إعانة الناس في كبواتهم ,
 والله عز وجل يقول : ( لا خير في كثير من نجواهم إلى من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء رضوان الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما )
فكيف بالإصلاح في أول لبنة في المجتمع الإسلامي :
ألا وهي الأسرة وكيف بانتشالها من سقطتها التي قد تنتهي بكسرها كسرا لا ينجبر ؟
والله أسأل أن يوفق المسلمين للخير وأن يحفظ أسرنا من كل سوء وبلية إنه ولي ذلك والقادر عليه
 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
وكتبه
أشرف بن محمد الغمري

المراجع :
• القرآن الكريم
• صحيح البخاري
• صحيح مسلم
• سنن إبي داوود
• سنن الترمذي
• مسند الإمام أحمد
• سنن ابن ماجة
• مستدرك الحاكم
• أضواء البيان للشنقيطي
• تفسير ابن كثير
• التحرير والتنوير لابن عاشور
• الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي
• فتح القدير للإمام الشوكاني
• المغني لابن قدامة
• شرح الزركشي على مختصر الخرقي
• الكافي لابن قدامة
• الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ محمد بن عثيمين
• كتب ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية
• الأم للشافعي
• المبدع
• الجامع لمسائل أصول الفقه
• لسان العرب

الفهرس
خطة بحث النشوز ………………………………………………………3
مقدمة البحث…………………………………………………………8
المبحث الأول وفيه مطالب…………………………………………………10
المطلب الأول : تعريف النشوز وحكمه…………………………………………11
المطلب الثاني : وقفة مع القوامة………………………………………………13
المطلب الثالث : من صور النشوز……………………………………………..15
المطلب الرابع : في أسباب النشوز ……………………………………………..18
المبحث الثاني وفيه مطالب ………………………………………………..27
المطلب الأول : التعامل مع الناشز…………………………………………….28
الدرجات الثلاث الواردة في الآية …………………………………………….30
مسائل ذات صلة ……………………………………………………..33
المرحلة الثالثة ……………………………………………………….41
المطلب الثاني ……………………………………………………….43
المبحث الثالث وفيه مطلبان ……………………………………………….45
المطلب الأول الأصل في الصلح ……………………………………………..46
المطلب الثاني : أقسام الصلح ………………………………………………47
المبحث الرابع وفيه مطالب ………………………………………………..50
المطلب الأول : ارتفاع النشوز ……………………………………………..51
المطلب الثاني : ما بعد ارتفاع النشوز ………………………………………….52
المطلب الثالث : الإخلال بالشروط بعد الصلح ……………………………………..53
الخاتمة …………………………………………………………..56
المطلب الأول : في التقوى ………………………………………………..56
المطلب الثاني :أن تكون الحياة عن …………………………………………58
المطلب الثالث : وقفة مع حفظ البيوت ………………………………………….59
المطلب الرابع : تفعيل الإصلاح الاجتماعي ………………………………………60
المراجع …………………………………………………………61
الفهرس ………………………………………………………..65
About these ads

http://ashrafghamry1.wordpress.com/2010/02/15//



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق