السبت، 8 سبتمبر 2012

الاستقراء من أسرار علوم التفسير بترتيبه في التنزيل

الاستقراء من أسرار علوم التفسير حسب ترتيبه في التنزيل
أصول الفقه
الموافقات أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
دار ابن القيم- دار بن عفان

سنة النشر: 1424هـ / 2003م رقم الطبعة: --- عدد الأجزاء: خمسة أجزاء

مسألة: الجزء الرابع التحليل الموضوعي

[ ص: 256 ] المسألة الحادية عشرة

المدني من السور ينبغي أن يكون منزلا في الفهم على المكي ، وكذلك المكي بعضه مع بعض ، والمدني بعضه مع بعض ، على حسب ترتيبه في التنزيل ، وإلا لم يصح ،

والدليل على ذلك أن معنى الخطاب المدني في الغالب مبني على المكي ; كما أن المتأخر من كل واحد منهما مبني على متقدمه ، دل على ذلك الاستقراء ،
وذلك إنما يكون ببيان مجمل ، أو تخصيص عموم ، أو تقييد مطلق ، أو تفصيل ما لم يفصل ، أو تكميل ما لم يظهر تكميله
وأول شاهد على هذا أصل الشريعة ; فإنها جاءت متممة لمكارم الأخلاق ، ومصلحة لما أفسد قبل من ملة إبراهيم عليه السلام ،

ويليه تنزيل سورة الأنعام ; فإنها نزلت مبينة لقواعد العقائد وأصول الدين ، وقد خرج [ ص: 257 ] العلماء منها قواعد التوحيد التي صنف فيها المتكلمون من أول إثبات واجب الوجود إلى إثبات الإمامة هذا ما قالوا .

وإذا نظرت بالنظر المسوق في هذا الكتاب ; تبين به من قرب بيان القواعد الشرعية الكلية ، التي إذا انخرم منها كلي واحد انخرم نظام الشريعة أو نقص منها أصل كلي .

ثم لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان من أول ما نزل عليه سورة البقرة ، وهي التي قررت قواعد التقوى المبنية على قواعد سورة الأنعام ; فإنها بينت من أقسام أفعال المكلفين جملتها ، وإن تبين في غيرها تفاصيل لها كالعبادات التي هي قواعد الإسلام والعادات من أصل المأكول والمشروب وغيرهما والمعاملات من البيوع والأنكحة وما دار بها ، والجنايات من أحكام الدماء وما يليها .

وأيضا ; فإن حفظ الدين فيها ، وحفظ النفس والعقل والنسل والمال مضمن فيها ، وما خرج عن المقرر فيها ; فبحكم التكميل ، فغيرها من السور المدنية المتأخرة عنها مبني عليها ،

 كما كان غير الأنعام من المكي المتأخر عنها مبنيا عليها ، وإذا تنزلت إلى سائر السور بعضها مع بعض في الترتيب ; وجدتها [ ص: 258 ] كذلك ، حذو القذة بالقذة ;

 فلا يغيبن عن الناظر في الكتاب هذا المعنى فإنه من أسرار علوم التفسير ، وعلى حسب المعرفة به تحصل له المعرفة بكلام ربه سبحانه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق