الأربعاء، 11 يوليو 2012

كارل بوبر: ما هو مقدار السلطة التي يجب أن ُتعطى للحكومة؟

كارل بوبر: من يجب أن يحكم؟

هذه محاضرة لكارل بوبر في زيوريخ عام 1958، من كتاب في البحث عن عالم أفضل 1984. 
قمت بترجمتها من هذا الرابط.
 
ويجب علينا ونحن نقرأ هذه المحاضرة أن نراعي الظرف التاريخي الذي ألقيت فيه.

من يجب أن يحكم؟

Karl Popper كارل بوبر: ما هو مقدار السلطة الذي يجب أن يُعطى للحكومة؟

أفلاطون كان يُنظر لصالح حكومة مطلقة السلطات ذات شكل أرستقراطي. 

وكمسائل أساسية في النظرية السياسية، طرح هذه الأسئلة: 
من يجب أن يحكم؟ 
من يدير الدولة؟ 
الكثرة: الجماهير، الغوغاء 
أو القلة: النخبة، المنتخبين؟”

بمجرد أن يُقبل السؤال “من يجب أن يحكم؟” كأساس، فستكون هناك إجابة واحدة منطقية: 
ليس هؤلاء الذين لا يعرفون، ولكن هؤلاء الذين يعرفون، الحكماء؛ ليس الغوغاء، ولكن الأقلية الأفضل. 
هذه هي نظرية أفلاطون للحكم، بواسطة الأفضل من الأرستقراطيين.

من الغريب نوعًا ما أن المُنظرين العظماء للديمقراطية والخصوم العظماء لهذه النظرية الأفلاطونية – مثل روسّو – قبلوا بسؤال أفلاطون بدلًا من أن يرفضوه لأنه غير مناسب، 

حيث أنه من الواضح أن السؤال الأساسي في النظرية السياسية ليس ذلك الذي طرحه أفلاطون. 

السؤال ليس “من يجب أن يحكم؟” أو “من يجب أن يحصل على السلطة؟” 
ولكن “ما هو مقدار السلطة الذي يجب أن يُعطى للحكومة؟”، 
أو ربما بدقة أكثر، “كيف يمكن أن نُطور مؤسساتنا السياسية بأسلوب لا يسمح حتى للحكام غير الأكفاء وغير الأمناء أن يسببوا كثيرًا من الضرر؟” 
بتعبير آخر، المسألة الأساسية في النظرية السياسية هي مسألة فحوصات وموازنات، للمؤسسات التي بواسطتها يمكن ضبط وترويض تعسف وسوء استخدام السلطة السياسية.

لا شك لدي أن نوع الديمقراطية التي نؤمن بها في الغرب ليست أكثر من مجرد دولة بها السلطة، بهذا المعنى، محدودة ومضبوطة. 
حيث أن الديمقراطية التي نؤمن بها ليست على الإطلاق دولة مثالية؛ نحن نعلم جيدًا أن الكثير مما يحدث لا يجب أن يحدث. 
من الطفولي أن نسعى وراء المثاليات في السياسة، وأي رجل ناضج في الغرب يعلم أن “كل الأفعال السياسية تتمثل في اختيار الأقل شرًا” (مقتبس من الشاعر الفيِنّى كارل كراوس).
بالنسبة لنا هناك نوعان فقط من الحكومات: 
النوع الذي يستطيع فيه المحكومون أن يتخلصوا من حكامهم بدون إراقة دماء، 
والنوع الذي لا يستطيع فيه المحكومون أن يتخلصوا من حكامهم، إن استطاعوا على الإطلاق، إلا بإراقة الدماء. 
النوع الأول من هذه الحكومات نسميه ديمقراطية، والثاني نسميه استبدادية أو ديكتاتورية. 
ولكن الأسماء غير مهمة هنا، الحقائق فقط هي المهمة.

نحن في الغرب نؤمن بالديمقراطية فقط بهذا المعنى الواقعي:  أقل أشكال الحكومات شرًا
وهكذا أيضًا وصفها الرجل الذي فعل أكثر من أي شخص ليحافظ على الديمقراطية وعلى الغرب، وينستون تشيرشل: “الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم، طبعًا باستثناء كل أشكال الحكم الأخرى التي جربناها من وقت لآخر”.
هكذا نحن نؤمن بالديمقراطية، لكن ليس لأنها حكم الشعب لنفسه. 
لا أنا ولا أنت نحكم؛ على النقيض، أنا وأنت كلانا محكومون، وأحيانًا أكثر مما نريد. 

ومع ذلك نؤمن بالديمقراطية كشكل للحكم متوافق مع السلمية والمعارضة السياسية الفعالة، وبالتالي الحرية السياسية.

لقد ذكرت أعلاه الحقيقة البائسة أن سؤال أفلاطون المضلل “من يجب أن يحكم؟” 
لم يُرفض أبدًا صراحةً بواسطة فلاسفة السياسة. 
روسّو سأل نفس السؤال ولكن أعطى الإجابة المقابلة. “إرادة الشعب يجب أن تحكم – إرادة الأكثرية وليس الأقلية”، إجابة خطيرة بالتأكيد، حيث أنها تقود إلى تأليه أسطوري “للشعب” و”إرادة الشعب”. 
ماركس أيضًا سأل، بطريقة أفلاطونية نوعًا ما: “من يجب أن يحكم، الرأسماليون أم البروليتاريون (الطبقة العاملة)؟” وأعطى أيضًا الإجابة: “الأكثرية، وليست الأقلية؛ البروليتاريون وليس الرأسماليون”
على النقيض من روسو وماركس نرى أن قرار الأغلبية بالتصويت أو الانتخاب هي مجرد وسيلة لصناعة القرار بدون إراقة دماء، وبأقل قدر ممكن من تقييد الحريات. 
بالطبع، الأغلبيات غالبًا ما تصل إلى قرارات خاطئة، ونحن يجب أن نصر على أن الأقليات لها حقوق وحريات لا يمكن لقرار الأغلبية أن يأتي عليها.
ما قلته يمكن أن يدعم الاقتراح بان المصطلحات المألوفة “جماهير”، “نخبة” و “ثورة الجماهير” تأتي أساسًا من أيديولوجيات أفلاطونية أو ماركسية.
مثلما قام روسو وماركس ببساطة بعكس الإجابة الأفلاطونية، قام بعض معارضي ماركس بعكس الإجابة الماركسية: 
يريدون مواجهة “ثورة الجماهير” بـ “ثورة النخبة”، وبالتالي العودة إلى الإجابة الأفلاطونية وادعاء حكم النخبة. 
ولكن هذا النهج كله خاطئ. 
فليحفظنا الرب من ضد-الماركسية التي ببساطة تعكس الماركسية: 
نحن نعرفها جيدًا؛ حتى الشيوعية ليست أسوأ من “النخبة” اللاماركسية التي حكمت إيطاليا، وألمانيا، واليابان والتى احتاجت لحرب عالمية لإزالتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق