الأحد، 8 يوليو 2012

تدريس العلوم الإدارية في العالم العربي : مواجهة الأوهام



مارس ‏2002‏
تدريس العلوم الإدارية في العالم العربي : مواجهة الأوهام

Confronting Illusions: Teaching Management in the Arab Word


إعداد وترجمة بتصرف وتعديل

عماد إبراهيم أبو شعبان

ماجستير في علم المحاسبة/ أمريكا

ماجستير في التنمية الإدارية/ اسبانيا

تمهيدي دكتوراه المحاسبة/ مصر


مفكري العلوم الإدارية العرب يجب أن يواجهوا الممارسات الموجودة حاليا بشجاعة وإبداع ، بحيث يكونوا قادرين على تغيير تكيفهم بما يلاءم الاحتياجات والتطلعات .




مقدمة Introduction

في محاولة تعزيز النمو الاقتصادي ورفع مستوى رفاهية الأفراد ، العديد من المجتمعات الاستهلاكية Commodity-driven Society تسعى دائما إلى محاكاة وتطبيق نظريات تم تطويرها في مجتمعات الأسواق (الإنتاجية) Market-Driven Society . 

وفي الآونة الأخيرة شهد العالم العربي نموا وزيادة كمية في عدد المؤسسات التعليمية وزيادة منقطعة النظير في الطلب على كليات العلوم الإدارية . والأردن والعراق والسعودية هي أمثلة حية لدول عربية عاشت ظاهرة الزيادة في نمو الجامعات منذ 1970 .

والزيادة في الطلب على التعليم الإداري والمقررات الإدارية يجب أن تعتبر ظاهرة صحية ، فالتعليم الإداري ضروري ليس فقط لتطوير المعرفة والمهارات الفطرية وإنما أيضا وسيلة لتعظيم الرفاهية المجتمعية وتقليل الهوة بين المجتمعات الاستهلاكية ومجتمعات السوق .

ولكن هناك مأزق متعلق بالزيادة في الطلب على التعليم الإداري في العالم العربي . وهذا المأزق ناتج عن عدة عناصر منها :


- نقص في عدد الأفراد الإداريين الأكفاء

- غياب تواصل الثقافة العربية


- الاعتماد على النماذج والنظريات الأجنبية


- عدم كفاية الاهتمام الذي يعطى للأنشطة البحثية والإبداعية


- عدم كفاية نظم الحوافز التي تعزز الإبداع في البحث والتدريس


- عدم كفاية نظم مكتبات المراجع


- عدم وجود أو ضعف التشبيك بين الجمعيات الإدارية المهنية على المستوى القطري وعلى المستوى القومي


- دور النشر الموجودة صغيرة الحجم وينقصها نظام توزيع قطري ، ولا تقدم مكافآت مرضية للمؤلفين


- وجود قطاع خاص غير مهتم بالبحث الإداري ولا يقدم الأموال اللازمة لتشجيع الأبحاث التطبيقية

- وعليه فان مفكري العلوم الإدارية وكليات الإدارة تلجأ إلى استخدام وتطبيق نظريات الإدارة الغربية ، بدون الاهتمام في تحديد قابلية تطبيق هذه النظريات مع الثقافات العربية . 

وهذه الدراسة معدة لان تطرح طبيعة التعليم الإداري في العالم العربي ، وتقارن هذه الدراسة العناصر النوعية الرئيسية في الثقافة الأمريكية والثقافة العربية ، وتقدم اقتراحات بخصوص موضوعات تدريسية مناسبة ، وتقدم اقتراحات لتطوير التعليم الإداري في العالم العربي .

التعليم الإداري في العالم العربي


Management Education in the Arab World


إن حل مشاكل المجتمع هي عملية مهمة ومرتبطة بالنظام التعليم . 

يوجد في العالم الغربي حقيقة معروفة وهي .." أن نظام التعليم هو حجر الزاوية لأشكال متنوعة من المزايا التنافسية . مثل التجارة ، الصناعة ، الزراعة ، الدفاع" . 
في العالم العربي أهمية نظام التعليم تقوم على أساس قيمة الضرورة والحاجة . 
والسبب في هذا أن التعليم النظامي في العديد من الدول لم يوجد إلا في بداية القرن العشرين . ففي عهد الإمبراطورية التركية ، فقد عمل الأتراك بجهد على طمس الهوية والثقافة العربية وفرض ثقافتهم على الشعوب العربية من خلال طرحها بثوب إسلامي ، وبالمثل عملت القوى الاستعمارية الغربية وخاصة فرنسا في الجزائر فقد عمدت على تدمير الثقافة والهوية العربية واستبدلها بالهوية الأوروبية .

وكانت النتيجة انه على مدار 500 عام فقد العرب تواصلهم الحضاري . 

فالمثل والقيم العربية الأصيلة تلوثت بعوامل أجنبية ، وإذا أضفنا إلى ذلك غياب نظام تعليم رسمي ، أدى ذلك كله ليس فقط إلى تسهيل هجوم ودخول الثقافة الأجنبية ، بل أيضا أعاد تعزيز الخرافات والأوهام . 
وكانت المشكلة في أن هذه الخرافات والأوهام تعامل معها العديد من العرب كحقائق بصورة خاطئة . 
وطبيعي أن خلع الناس عن ثقافتهم يخلق عندهم سوء فهم وعدم وضوح بما هو مناسب لهم .

في الوقت الحاضر يعاني التعليم الإداري العربي من ثلاث مشكلات وهي :

1. نمو منقطع النظير

2. انخفاض في الجودة
3. غياب الرؤية



نمو منقطع النظير Un-preceded Growth

أول البرامج الجامعية في الإدارة ظهرت في أوائل الستينيات . بعد ارتفاع أسعار البترول في 1973 ، في هذه الفترة حصل توسع في الأنشطة الاقتصادية والقطاع العام . وتبع ذلك زيادة ملحوظة في الطلب على موظفين ومد راء يتوفر لديهم تدريب خاص في الإدارة . 

ففي عام 1970 كانت نسبة حصة العمالة الغير وطنية بالنسبة لقوة العمل الوطنية في البحرين ، الكويت ، الإمارات العربية كانت 21% ، 25% ، 57% بالترتيب ، وفي عام 1980 ارتفعت هذه النسب لتصبح 59% ، 79% ، 90% على الترتيب .

وفي بداية الثمانينيات ، كان عدد طلاب الدرجة الجامعية الأولى العرب الذين يدرسون العلوم الإدارية بلغ حوالي 184,000 طالب . هذا العدد زاد إلى 334,000 طالب في بداية التسعينات . 


ويوجد الآن أكثر من 56 كلية إدارة أعمال منها حوالي 26 كلية تم تأسيسها خلال الستينات ، و 20 كلية تم تأسيسها خلال السبعينيات ، كما تم إنشاء العديد من مراكز التدريب الإداري في العالم العربي.

إن النمو الغير عادي في حجم الطلب على التعليم الإداري ترتب عليه عدد من المشكلات . 

أولا : ارتفاع نسبة الطلبة إلى المحاضرين في اغلب التخصصات . 
ثانيا : تعيين أعضاء هيئة تدريس بدون الاهتمام لمؤهلاتهم ، حيث يتوفر عدد قليل جدا من أعضاء هيئة التدريس المؤهلين . 
ثالثا : عدم الانتباه غالبا للبحث العلمي. رابعا : وجود نقص واضح في ترابط الأهداف المرجو تحقيقها من البرامج الإدارية . خامسا : ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل .

بسبب ارتفاع البطالة خلال الخمس عشرة سنة سابقة في بعض الدول ، عمدت الحكومات إلى تشجيع خريجي الثانوية العامة للالتحاق بالجامعات والمؤسسات الأكاديمية وكانت النتيجة أن تدفق عليها أعداد هائلة من الأشخاص الباحثين عن التعليم والتدريب .


في ظل هذه الظروف كانت المؤسسات الأكاديمية عاجزة عن توفير التعليم الإداري بالنوعية المطلوبة . وكانت النتيجة الحتمية انه بعد التخرج العديد من الخريجين يواجهون حقيقة البطالة مرة أخرى .


انخفاض النوعية Poor Quality

ونتيجة منطقية للعناصر السابقة أن تصبح اغلب برامج التعليم الإداري غير مناسبة لتلبية الاحتياجات العصرية للممارسات الإدارية والحاجة إلى جيل إداري جديد . 

أضف إلى ذلك أن العديد من مراكز التدريب الإداري ليست مجهزة لتقديم تدريب إداري متطور ومناسب . 
ويقول عطية أن الأدلة المتوفرة تشير أن كفاءة هذه البرامج بصورة عامة منخفضة ويرجع ذلك لغياب تحليل الاحتياجات ، وعدم مناسبة المناهج ، وعدم استخدام أدوات التدريب بالمشاركة ، وغياب مبدأ الإلزام.

ويمكن تحسين جودة التعليم الإداري من خلال عدة وسائل : 

تعديل سياسات القبول ، تعديل متطلبات التطوير المهني للمحاضرين ، جذب محاضرين بمؤهلات عالية ، تخفيض عدد الساعات الدراسية الأسبوعية ، تعديل نظام الرواتب والمكافآت " اغلب النظم أصولها نظام الخدمة المدنية لموظفي الحكومة " ، تشجيع البحث العلمي ، تسهيل التبادل العلمي للطلاب والمحاضرين مع الجامعات العربية والجامعات الأجنبية ، تطوير شراكات مع المؤسسات والشركات التجارية المحلية ، وأخيرا دعم المكتبات بمصادر المعلومات .

انعدام الرؤية Lack of Vision


خلال الستة قرون الأولى ، مدارس وجامعات الدولة الإسلامية العربية كانت تستخدم كمراكز لإعادة تصنيع الفكر والثقافة والبحث العلمي . 

لذلك فالعلوم المعرفية تقدمت وازدهرت . 
إلا أن هذا التعليم التقليدي في المدارس والجامعات العربية لسوء الحظ توقف عن الوجود بعد هيمنة الإمبراطورية التركية الغير عربية (1918: 1412) . 
أضف إلى ذلك هيمنة القوى الاستعمارية الأوروبية (بريطانيا وفرنسا) على العالم العربي ، وما نتج عن ذلك من تلويث للثقافة والحضارة العربية وهذا أدى إلى فقدان الرؤية الواضحة .

ويؤكد العديد من المفكرين أن الغرب وبصورة مقصودة زرع في العرب المحدثين عقدة النقص ، والتبعية والشعور بالضعف . 

فقد لاحظ أحد علماء الإدارة الإنجليز والذي قام بزيارة للعالم العربي في الأيام الأخيرة أن الجشع الغربي تنكر في صورة فوقية ونشر الشائعات التي تقول بأنه بدون الاستشارات الإدارية والمالية الغربية فان الشرق بالتأكيد سيواجه الفشل المحتوم .

الجامعات في العالم العربي لا تعامل في الغالب كمؤسسات مستقلة عن الحكومة . لذلك اغلب أعضاء هيئة التدريس يحجمون عن استكمال المعرفة وعادة يمتنعون عن الدخول بفاعلية في أي مشروع فكري بحثي مطلوب بدون أن يشتمل على حوافز مادية ومعنوية .


أخيرا يمكن القول غياب الرؤية يؤدي إلى التركيز أكثر على الكمية (عدد الطلاب الخريجين) من التركيز على النوعية ، وهذا يوضح سبب زيادة نسبة البطالة بين خريجي كليات الأعمال وسبب غياب الموضوعية في تقييم وترقية أعضاء هيئة التدريس .



مفاهيم الثقافة في النظريات الإدارية


Cultural Aspects of Management Theories


كما ذكرنا سابقا ، فان اغلب الأبحاث والكتب الدراسية والمحاضرات في العالم العربي هي فقط عبارة عن عملية ترجمة مجردة للطرق والنظريات الإدارية الأمريكية .


والسؤال الذي يطرح غالبا من قبل مفكري تبادل الثقافات الإدارية هو :  


"هل النظرية الإدارية في دولة ما قابلة للتطبيق في الخارج ؟" .

عند الإجابة على هذا السؤال بعض المفكرين الإداريين يؤكدون على انه إذا كانت النماذج والنظريات الإدارية تنعكس فيها بالتأكيد بعض الخصائص الثقافة للمجتمع الذي نمت وتطورت فيه ، ففي هذه الحالة تصبح هذه النظريات غير صالحة للتطبيق في ثقافة أخرى .


ويرى مجموعة من المفكرين أن النظريات الإدارية هي عبارة عن مرآة ينعكس فيها وجه الثقافة التي أسست وتطورت فيها هذه النظريات . فتطبيق هذه النظريات في بيئة ثقافية أخرى يمكن أن يؤدي إلى فشل في النتائج المتوقعة .


الستون … يشير أن نظريات الإدارة الأمريكية تعكس خصائص محددة تكون مناسبة جدا للثقافة الأمريكية . 

وبهذا الخصوص ، هوستيد … يشير إلى ثلاث خصائص ثقافية في أمريكا :  
التركيز عمليات الأسواق ، التركيز على الأفراد ، والتركيز على المديرين أكثر من التركيز على العاملين . 
ويؤكد هوستيد أن هذه الخصائص تشكل الأسس الرئيسية للممارسات والنظريات الأمريكية في الإدارة .
 

وعند عقد مقارنة بين مظاهر الثقافة الأمريكية ومظاهر الثقافة العربية لتحديد المضامين المصاحبة للنظريات الإدارية . 
يتضح أن تعليم نظريات الإدارة الأمريكية إلى متلقين عرب لا يؤدي إلى تنمية ممارسات إدارية عربية ذات معنى ومغزى . 
لان مكنونات الثقافة العربية تختلف عن مكنونات الثقافة الأمريكية . لذلك فعناصر الثقافة المختلفة يجب أن تتضمن عند تدريس مفاهيم نظريات الإدارة في العالم العربي .

اقتراحات لتدريس موضوعات ذات علاقة بالثقافة


هناك العديد من الموضوعات التي يمكن اقتراحها لدراسة الإدارة في الثقافة العربية ، الغربية ، والعالمية . 

ومن أمثلة ذلك : 
إدارة المشروعات العائلية ، إدارة المشروعات المشتركة مع شريك أجنبي ، الإدارة العربية والثقافة ، تكامل الاقتصاديات العربية.

إدارة المفاوضات بين شريك عربي وشريك أجنبي … عدة ثقافات أمريكي ، ياباني ، ألماني ، فرنسي ... الخ .

إن التسليم باختلاف الثقافة العربية عن الثقافة الأمريكية يتطلب إعطاء اهتمام اكبر إلى موضوعين :

إن الترجمة المجردة للكتب والنظريات الغربية والأمريكية لن يغني الممارسات الإدارية العربية .

إن تدريس أدوات وموضوعات إدارية مناسبة هي عملية صعبة لأنها تتطلب مراجعة المداخل والموضوعات الموجودة أصلا .


فعند مراجعة الكتب الدراسية المستخدمة في بعض كليات الإدارة في العالم العربي نجد أن منها من اعتمد المراجع والكتب الأمريكية كما هي باللغة الإنجليزية ككتب دراسية . 

ومن أمثلة ذلك في فلسطين جامعة بير زيت ، جامعة بيت لحم ، والجامعة الأمريكية العربية ، ومنها من قام بترجمة هذه الكتب واعتمد استخدام الكتب المترجمة . 
وبتفحص هذه الكتب المترجمة نجد أن هذه الكتب لا تذهب ابعد من عملية ترجمة مجردة لكتب أمريكية .

فكتب لكل من ، لا نجد هناك أي محاولات بذلت إلى أعربة/عوربة Arabize المفاهيم وتضمين الثقافة العربية في تلك الموضوعات .

جميع متطلبات المقررات الدراسية تعكس مستوي متطلبات المقررات الأمريكية

All Course Requirements Reflect a Standard American Requirement.


عند فحص المنهاج الإداري في العديد من الجامعات العربية ، لا نجد أي جامعة تقدم مقررا في الثقافة الإدارية ، أو البيئة الإدارية في العالم العربي ، فجميع المقررات تعكس مستوى الاحتياجات الإدارية الأمريكية . 


كما أن وصف مفردات المقررات مشابه تماما لما هو موجود في اغلب كتالوجات الجامعات الأمريكية.

إن وصف المقررات بنفس مكونات المقررات في الجامعات الأمريكية ليست عملية مرفوضة ، ولكن المشكلة في انه لا توجد محاولات لربط هذه المفاهيم بالبيئة والثقافة العربية . 

كما انه بمراجعة مكونات مقررات إدارية تشتمل على نظريات الإدارة الأمريكية في الدوافع ، والنزاع ، والقيادة ، والاتصال وهذه موضوعات يتم تغطيتها بكثرة في العالم العربي هذه الأيام .

نجد أن هذه النظريات ذات قيمة ومنفعة محدودة بالنسبة للمتلقين العرب ويمكن أن تكون ضارة أكثر من منفعتها إذا تم تطبيقها في ثقافة مختلفة عن الثقافة الأمريكية . 

والسبب في ذلك أن الدوافع مثلا في الثقافة الأمريكية يكون تركيزها على الفرد وحاجاته ، أما في الثقافة العربية يكون التركيز فيها على دوافع الجماعة وحاجاتها .

والسؤال الذي يجب أن يسأله المفكرين العرب :  

ماذا يجب أن نفعل عند تدريس الإدارة ؟ 

وللإجابة على هذا السؤال يجب أن نوضح … أن المفكرين العرب يجب ألا يغلقوا الأبواب أمام الإسهامات الفكرية الأجنبية ، بل يجب تقييمها بطريقة منفتحة وانتقائية .

فالتبني الأفضل لمساهمات أجنبية مختارة ومنتقاة لا يمكن تحقيقها بدون فهم عميق للثقافة الأجنبية والثقافة العربية . 

لذلك فانه أصبح من اللازم على كل المفكرين العرب أن يعيدوا تفحص ثقافتهم ومحدداتها طالما يجب أن تنعكس ثقافتهم على المساهمات الفكرية الأجنبية . 
في هذه الحالة فقط يكون المفكرين العرب جاهزون جيدا للإجابة على السؤال السابق . 
بالتأكيد الإجابة على السؤال تشتمل على شقين الأول : الموضوعات التدريسية والثاني أساليب التدريس .

الموضوعات التدريسية Teaching Topics


عند الحديث عن الموضوعات التدريسية يجب أن نبحث عن أسلوب إبداعي في التدريس ، ولتحقيق ذلك نحتاج إلى الدخول في أنشطة بحثية متعمقة . علي … 

وقد حدد على موضوعين . 
الموضوع الأول : وهو تعزيز حساسية المديرين والطلبة إلى ممارسة الإدارة الفعالة وتوضيح الأسباب التي تمنع المديرين والمشروعات من تحقيق النمو والنجاح . 
الموضع الثاني : وهو التركيز على ما يعتبر موضوع حيوي في البيئة الدولية . مثل العولمة ، المنافسة الدولية ، التكنولوجيا ، التخطيط في بيئة ديناميكية .

بمجرد تحديد الأولويات البحثية ، عندها يكون بمقدور مفكري الإدارة العرب التركيز على موضوعات التدريس المناسبة . فالموضوعات التدريسية يمكن أن تجمع في ثلاث مجموعات . 

موضوعات متعلقة بالبيئة العربية ، 
موضوعات متعلقة بالأسواق العالمية ، 
وموضوعات متعلقة بالعرب والثقافات الأخرى مثل .. الأمريكية ، اليابانية ، الألمانية ، الأفريقية .


الأساليب التدريسية Pedagogy Techniques


أما في يخص أساليب التدريس ، فمفكري الإدارة العرب يجب أن يستخدموا حالات تدريسية محلية في محاضراتهم .

 فتطوير حالات تدريسية محلية يساعد في تحقيق هدفين 
الأول : زيادة حساسية الطلاب لحقيقة الإدارة في البيئة العربية ،
 والثاني : زيادة حساسية الطلاب للثقافة وتأثيرها في نظريات الإدارة الأجنبية . 
كما يمكن القول أن استخدام أسلوب تحليل الحالات الدراسية تمكن المحاضر من تأسيس حلقة اتصال مع المشروعات المحلية . مثل الحالات التي تظهر تجربة نجاح/فشل مشروعات عربية رائدة . 
على أن يضيف المحاضر أحداث تحتوي على مشكلات إدارية خاصة ، أو أن يضيف موضوعات حيوية لدراسة الإدارة في البيئة التجارية العربية .

بالإضافة لأسلوب تحليل الحالات الدراسية العملية ، يجب على المحاضرين استخدام أسلوب بناء السيناريوهات .

 فالعرب ثقافيا مغرمين بالموضوعات القصصية والسعي للمثالية . 
فأسلوب السيناريوهات يساعد المحاضرين في توفير أدوات تساعد في زيادة هذه الخاصية ، وأيضا توفير أدوات تساعد في توقع المستقبل عند الدارسين . 
في الحقيقة أسلوب السيناريوهات وأسلوب الحالات العملية يعتبران من الطرق والأدوات القوية والفعالة التي يمكن أن يجدها المحاضر مساعدة جدا في تطوير الفكر الإداري .


مواجهة الأوهام Confronting Illusions


يتضح من المناقشة السابقة أن تحديد طرق تدريس المبادئ والنظريات الإدارية ، وما يترتب عليه من ممارسات إدارية في العالم العربي لا تقع مسؤولياته على مؤسسة أو جهة بعينها . 

فهناك العديد من الأوهام التي يجب الرد عليها لتجهيز الأرضية المناسبة لخلق ممارسات إدارية فعالة . 

فالنموذج الحالي المستخدم في تدريس العلوم الإدارية يعزز وجود الأوهام السبعة التالية :

الوهم الأول : 

إن الممارسات الإدارية الفعالة مبنية على تحييد الثقافة Culture Neutrality ، وعليه فتدريس الموضوعات الإدارية يجب أن يحيد تأثير الثقافة فيها . 
الرد … لا . 
فالمداخل والنظريات الإدارية مقيدة ثقافيا . 
فالنظريات تعكس ثقافة بلدان نشأتها ، وعند تطبيق هذه النظريات بصورة عمياء في ثقافة أجنبية بالتأكيد ستؤدي إلى نتائج ثقافية سلبية .

الوهم الثاني : 

إن استخدام مراجع وكتب دراسية أجنبية يسرع من عملية بناء النظريات والتنمية الإدارية . 
الرد … لا . 
فالمراجع والكتب الدراسية الفت وكتبت لتلبية حاجات تجارية واحتياجات اجتماعية أجنبية .  
فغرس مفاهيم كتب دراسية أجنبية في مجتمع مختلف ، من الممكن أن .. لا .. يؤدي إلى التنمية المرغوب بها .


الوهم الثالث : 

سياسة الباب المفتوح على الثقافات الأخرى ، كانت دائما مفيدة للشعوب العربية . 
الرد … لا . 
كان العرب خلال القرون الوسطى متفوقون لأنهم كانوا يملكون ثقافة قوية ، صحيح في ذلك الوقت استعانت الثقافة العربية بإسهامات الثقافات الأجنبية ولكن كانت هذه الاستعانة من موقع قوة وتميز وتفرد . 
أما في يومنا الحاضر فالعرب هم ضحايا "عدم تواصل حضاري" "Cultural Discontinuity" ، فإعادة اكتشاف العرب لهويتهم الثقافية هو مطلب ضروري حتى يتم دمج إسهامات الثقافات الأجنبية بطريقة صحية في الخطاب الاجتماعي والسلوكي .


الوهم الرابع : 

إن الاتجاه نحو العولمة سوف يقلل من اختلاف الثقافات . 
الرد … لا . 
كل مجموعة ثقافية سوف تحافظ بقوة على تفردها في صفات ثقافية معينة . وبالتالي لن تتلاشى ثقافات المجتمعات نهائيا .


الوهم الخامس : 

إن المفكرين العرب غير قادرين على تطوير نماذج ونظريات علمية . 
الرد … لا . 
فالمفكرين العرب لم يلقوا التشجيع والدعم المناسب ليظهروا إبداعاتهم ، كما أن بعضهم لم يسمح لهم بان يمارسوا حقوقهم في التفكير الحر . فإذا توفر التشجيع والدعم المادي والحرية الفكرية عندها يزدهر عمل المفكرين العرب .


الوهم السادس : 

إن أداء العرب العلمي جيد في هذه الأيام وبالتالي فهم في غير حاجة لنظريات جديدة حساسة للثقافة . 
الرد … لا . 
لان البيئة السياسية والتجارية في هذه الأيام تختلف عن بيئة الأمس ، فالثقافة حتى تبقي على قيد الحياة ملزمة بإغناء الحضارة العالمية ، وملزمة بالمشاركة بفاعلية في المجال الفكري العالمي . 
وبالمثل فالمشروعات لا تستطيع الاستمرار والمحافظة على مركزها السوقي في بيئة متغيرة اعتمادا على نظريات تحييد الثقافة .


الوهم السابع : 

إن المثل والقيم العربية الأصيلة تمثل عقبات أمام التطور . 
الرد … لا . 
المثل والقيم الثقافية يمكن أن يستعان بها في تسهيل عملية تنمية وتطوير الاقتصاد ، والمعجزة اليابانية تقدم مثال حي في استخدام المثل والقيم لتسر يع التطور التكنولوجي والنمو الاقتصادي .


والخلاصة


إن تدريس العلوم الإدارية في العالم العربي يحتاج إلى مراجعة شاملة تتضمن الأساليب والطرق والمحتويات . 

فالشكل والمضمون الحالي في تدريس العلوم الإدارية لا يؤدي إلى إغناء الممارسات والفكر الإداري . 
لذلك على المفكرين الإداريين أن يتحملوا مسؤولياتهم بجدية وان يواجهوا الممارسات الحالية بشجاعة وإبداع . 
وهذا يحتاج إلى تغيير متعمق في الشكل والمضمون الحاليين لنظام تعليم العلوم الإدارية في العالم العربي ، 
ويجدر القول أن إسهامات المفكرين في هذا المجال ليست فقط مسئولية مهنية بل هي أيضا مسؤولية الأخلاقية .

انتهت


المراجع والأسانيد :


(1) [1] هذه الورقة مبنية على أساس دراسة بعنوان: "Teaching Management in the Arab Word: Confronting Illusions" ، قام بإعدادها د. عباس علي و د. روبرت كامب ، وقدمت في مؤتمر التدريب الإداري ، المنعقد في الأكاديمية الدولية ، عمان ، الأردن ، خلال الفترة من 27 - 30 سبتمبر 1993 .


(2) [1] Ali, A, "Management Research themes teaching in the Arab World", International Journal of Education Management, Vol. 6 No. 4, 1992, pp. 7-11.


(3) [1] Jasim, A., "the crisis of Arab Thought", Al-Adub, Vol. 10 No. 1, 1987, pp. 2-9.


(4) [1] "Colleges of Economics and Management Sciences in the Arab World", Al-Majailah, Vol. 13 No. 575, 1991, pp. 68-73.


(5) [1] Atiyyah, H., "Roots of Organization and Management Problems in Arab Countries", Proceedings of the Arab Management Conference, Bradford, 1993.


(6) [1] Ali, A., "Cultural Discontinuity and Arab Management Thought", Paper Presented at the 1993 Arab Management Conference, University of Bradford, 1993.


(7) [1] Holsted, G., "Cultural Constraints in Management Theories", The Executive, Vol. VII No. 1, 1993, pp. 81-94.


(8) [1] Alaki, M., "Business Administration in Saudi Environment", Dar Al Shoaroq, Jeddah, 1979.


(9) [1] Gharab, K., "Leadership and Saudi Executive's View", King Saud University, Riyadh, 1987.


(10) [1] Ahmed A., Auditing .. Theory and Practices", King Saud University, Riyadh, 1989.


(11) [1] Holstede, G., "Motivation, Leadership, and Organization: Do American Theories Apply Abroad?", Organizational Dynamics, Summer 1980, pp. 42-63.


(12) [1] Hunt, J., "Applying American Behavior Science: Some Cross-Cultural Problems", Organizational Dynamics, summer 1981, pp. 55-62.


(13) [1] Abbas, A. & Robert C., "Teaching Management in the Arab Word: Confronting Illusions", International Journal of Education, Vol. 9 No. 2, 1995, pp. 10-17.



https://sites.google.com/site/emadabushaabanacademics/aricles/teach_mgt_ar

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق