السبت، 28 أبريل 2012

في إحتياطي البنك المركزي وفائض الموازنة في الدولة والتنسيق المطلوب


 بقلم د. فاضل عباس مهدي

24 نيسان (أبريل) 2012 ,


في إحتياطي البنك المركزي وفائض الموازنة في الدولة والتنسيق المطلوب
لقد أدًت الزوبعة الاعلامية التي اثارتها محاولة تدخل مكتب دولة رئيس الوزراء في تفاصيل عمل ومهام البنك المركزي إلى تزايد المضاربات على سعر صرف الدينار.
 ومما ساهم في زيادة حِدة المضاربات هي التصريحات غير المبررة علمياً وإحصائياً لأحد الإقتصاديين المقربين لدولة رئيس الوزراء حول ضرورة الاقتطاع من احتياطي العملات الأجنبية، بغضٍ النظر عن امكانيات ذلك او عدمه من الزوايا الدستورية والقانونية والاقتصادية.
 إن مثل هذه التصريحات غير المدروسة في محتواها وتوقيتها والصادرة من مراجع مقربة تشجع المضاربين على المراهنة على تدهور سعر الصرف وتدفعهم للمزيد من المضاربات، ويكون هذا بغضٍ النظر عن دور دول تجاور العراق في بيع الدينار لشراء الدولار داخل السوق العراقية.
اولا إن ارتباط البنك المركزي بقيادته المهنية الحالية بسياسة تحقيق الاستقرار المالي للعراق وبخفض أساسي للديون الخارجية التي كبًلت الاقتصاد العراقي في فترة النظام البائد والتي إستطاع البنك المركزي، من خلال تنسيقه مع وزارة المالية، خفض نسبة الدين الخارجي للعراق من حوالي 220% عام 2006 إلى ما هو مقدًر بحوالي 37% فقط عام 2011 هو من الإنجازات الكبيرة التي حققتها السياسة النقدية عبر مهنية الإدارة في البنك المركزي .
 إن نجاح سياسة البنك في إستقرار العملة من خلال إستقرار سعر الصرف والحفاظ على ادارة شفافة لإحتياطي العملات الأجنبية وبعث الثقة في الوضع النقدي وتحقيق درجة مقبولة من الإستقرار الإقتصادي بعد سنوات التضخم الجامح الذي سحق القدرات الشرائية للعراقيين في سنوات سابقة لا تتواءم والمحاولات الجارية والحثيثة لإضعاف دور البنك المركزي في رسم السياسة النقدية .
 وبرأيي كاقتصادي مارس مهنته في اقتصادات حوالي 20 دولة ضمن عملي السابق مستشاراً دولياً في التخطيط التنموي للامم المتحدة بأن مثل هذه التوجهات التي إستهدفت إضعاف دور البنك المركزي صارت من محفزات المضاربين على عملتنا الوطنية بشراء الدولار وبيع الدينار، وهو عكس ما نتوقع أن تريده رئاسة الوزراء الموقرة لإقتصادنا في هذه المرحلة الحرجة..
ثانياً، لا بد من الإشارة هنا ضمن هذا السياق الى أن تقديرات الاحتياطي العراقي حسب تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في آذار 2011 كانت لا تزيد عن 7.5 شهراً من المستوردات من السلع والخدمات عام 2011 .
 ومن توقعات تقرير صندوق النقد الدولي انخفاض نسبة الاحتياطي الى عدد اشهر الاستيراد الى 6.9 شهر في العام 2012 الحالي.
ورغم إحتمال إرتفاع حجم الإحتياطي لأكثر من توقعات صندوق النقد الدولي في تقريره المشار إليه ، إلا إن مثل هذه الارقام لا تشير الى كبر حجم الاحتياطي بالمقارنة مع حجم الاستيراد لإقتصاد يعتمد على النفط أساساً للحصول على العملات الصعبة، وهو إقتصاد مهدد بالإنخفاضات الدورية المحتملة لأسعار النفط علاوة على مشاكل ومخاطر اغلاق مضيق هرمز اذا ما توترت الامور اكثر بين الجارة ايران والولايات المتحدة.
 لقد انخفضت اسعار نفط برنت خلال الاسابيع القليلة الماضية من حوالي 128 دولار للبرميل الى حوالي 120 دولار ، الامر الذي يُلزم الحيطة والحذر، فمن الممكن أن يقود تفاقم الأزمة المالية والإقتصادية بمنطقة اليورو الى توقعات متشائمة للمضاربين الدوليين في اسواق النفط قد تؤدي الى انخفاض ملحوظ آخر بأسعاره على المستوى الدولي.
 وكما هو معروف، فإن حصيلة العراق من العملات الصعبة هي دالة للاسعار وكميات التصدير، وبالتالي فإن موازنات الدولة واستقرار الدينار العراقي سيتطلبان سياسة اقتصادية حصيفة توازن بين ضرورات التوسع بالانفاق الاستثماري وتحفيز الانتاج والطلب على العِمالة المنتجة من جهة والمحافظة على استقرار الاسعار (ومنها سعر صرف الدينار) من الجهة الاخرى.
ولا بد من الاشارة هنا الى ان تواتر التلميحات الى الاحتياطي الكبير للعراق والإشارات غير المدروسة كمًيا من بعض الاقتصاديين
كالدكتور مهدي الحافظ في مقالته قبل حوالي الشهرين في مجلة معهده "حوار" والمعنونة "ما عن الاحتياطي”؟
 إضافة إلى مقال السيد عبد الحسين العنبكي قبل بضعة ايام حول الموضوع صارت تؤثر على توجهات الجهاز السياسي الأساس في البلاد لإضعاف دور البنك المركزي في الوقت الذي يتطلب الاقتصاد العراقي ارتفاعاً لنسبة الاحتياطي الى المستوردات الى 15 شهر كحد أدنى.
ثالثاً، لقد اشار الزميل الدكتور علي مرزا في مداخلة مكتوبة ضمن شبكة الاقتصاديين العراقيين الى الاحتمال العالي لوجود "فائض حقيقي متراكم" لدى وزارة المالية نتيجة عدم إنفاق المخصص بسنوات سابقة رغم أن الموازنات كانت قد خطًطت للعجز.
 وهذا الفائض في الموازنات الحكومية الفعلية (لا المبرمج لها) صار معروفاً ومتوقعاً في هذه المرحلة التي كانت فيها عوائد النفط واسعاره اعلى بكثير مما إفترضته الموازنة المالية لعام 2011 فقد سبق للدكتور حسين الشهرستاني وأن اشار في تصريح له الى الزيادة الملحوظة باسعار النفط العراقي المصدر خلال العام الفائت.
 ولا شك بأن تاريخ التقلبات باسعار النفط العالمية يجب ان يصبح حافزاً للحيطة والحذر فما قد يكون عجزاً مالياً في عام ما او فائضاً بعام آخر قد ينقلب الى عكسه.
بالتالي، فإن وجود فائض مالي بموازنة العام 2011 الفعلية (لا المخطًطة)، وبأغلب الأحوال أيضاً وجود فائض مالي متراكم من موازنات سنوات سابقة ينبغي أن يحد من الدعوات غير المدروسة من البعض لاستخدام احتياطي البنك المركزي
 بل يدعونا للطلب من المسؤولين على شؤون الاقتصاد الوطني تحسين ادارة ومهنية وكفاءة استثمارات وانفاق القطاع العام وحل المعوقات الاساسية التي كًبلت انطلاقة النشاطين الصناعي والزراعي بآثارهما الملحوظة على تشغيل العاطلين.
 ولا بد من الاشارة هنا، ان نجاح البنك المركزي بخفض معدلات التضخم مقيساً بالرقم القياسي العام لاسعار المستهلك من 27% عام 2004 الى حوالي 5.5 % في عام 2011 والاستقرار النسبي لسعر صرف الدينار هما من النجاحات القليلة للسياسة الاقتصادية العراقية بعد 2003، والتي كانت في معظمها ميالة الى الكثير من التخبط بسبب ضعف اجهزة الادارة المالية والتخطيط ومتابعة التنفيذ للبرامج وافتقارها الى القدرات المهنية المطلوبة.
إذن، إذا كان هناك فائض ملحوظ في الميزانيات الفعلية العامة للدولة ،وكان البنك المركزي مؤدياً لوظيفته القانونية والدستورية الاساسية في تحقيق درجة مقبولة من الاستقرار بالاسعار (ومنها سعر صرف الدينار), فلا بد لنا من التساؤل هنا:
(1) هل نصح السادة المؤثٍرين من المستشارين السيد رئيس الوزراء نصحاً علمياً موثقاً بالارقام حول ضرورة وامكانية ونتائج الاستعانة بالاحتياطي خصوصاً في ظل توفر فائض تراكمي في الميزانية العامة للدولة والمُقَرًة من مجلس النواب ؟
(2) هل كانت نصائحهم هذه، وهي ضعيفة الأسانيد العلمية والإحصائية، لفائدة الاقتصاد الوطني وللسيد رئيس الوزراء أم خالقة للإشكالات المؤسسية والاقتصادية دون مبرر موضوعي؟!
(3) بكم إنخفض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار بعد أن برزت الأزمة الى السطح وحفًزت المضاربين لشراء الدولار ؟
(4) ألا تكلف الهزة التي احدثتها مثل هذه التدخلات والتي أصابت سعر صرف الدينار المواطن إرتفاعاً في كلف أسعار المواد الغذائية المستوردة خصوصاً في حال إستمرار مناخ عدم الإستقرار حول مآل السياسة النقدية في البلد ونية الحكومة التصرف بالاحتياطي، والتي دلت عليها هذه التجاذبات ومقالات بعض المستشارين محدودي الخبرة باقتصاد السوق وتداخلاته؟
(5) ما هوالحجم الامثل للاحتياطي لكي تستطيع السلطة النقدية المحافظة على سعر صرف الدينار من التدهور، خصوصاً وأن ذاكرتنا كعراقيين لا زالت حية عندما ادًت تجاوزات السلطات المالية على الاحتياطي وفي طبع النقد دون معايير موضوعية الى انهيار سعر الصرف الى حوالي 3000 دينار مقابل الدينار؟
(6) هل نسي السادة الداعون اليوم الى استخدام الاحتياطي من قبل الحكومة – رغم وجود فائض فعلي في موازنتها للعام الماضي- ما جًرته مثل تلك السياسات في ظل النظام البائد على المجتمع من تضخم حلزوني سحق مداخيل الطبقتين الوسطى والفقيرة ؟
 هل نسوا ارتفاع الرقم القياسي العام لاسعار المستهلكين ب 235% سنوياً (بالاسعار الثابتة لعام 1993) من 6.3 في عام 1990 الى 2672.9 عام 1995 عندما طبعت الدولة النقود دون ضوابط وموًل حسين كامل (بجهله في الشؤون الإقتصادية) إنشاء الجسر ذي الطابقين في بغداد "بطنًين من الورق" حسبما ما هو شائع ومتداول؟
(7) وهل نسي هؤلاء السادة في خضم حماسهم "الصعودي" لتبرير استخدام الاحتياطي الويلات التي جرًتها التدخلات الحكومية بالسياسة النقدية والتي نجمت عن ارتفاع الرقم القياسي لاسعار المواد الغذائية من 5.1 عام 1990 الى 3167.4 عام 1995 (بالاسعار الثابتة لعام 1993) ، اي ان اسعار الاغذية لعموم المواطنين تضاعفت 621 مرًة خلال نصف ذلك العقد المدَمٍر من الزمن؟
(8) وأخيراً وليس آخراً ، إذا كان السادة المحترمون يبغون "تنسيقاً اكبر " بين السياسة النقدية وغيرها محقٍين ولا يتطلعون للتصرف غير المدروس باحتياطي العملة العراقية ، فأليس لهم افضل البدأ اولاً (وبنفس الحماس) بتنشيط عمل القطاع الخاص واستثماراته والتشغيل فيه؟
 ألا يستحق قطاعا الزراعة والصناعة وتطويرهما نفس الإقدام المعنوي (الذي حاولوا أن يظهروه اخيراً) عند الوقوف امام مصالح "اللوبي التجاري" الذي أسهم بتعطيل قانون التعرفة الجمركية بعد صدوره في العام الفائت؟
 وأليس توجيه اهتماماتهم نحو التسريع بتفعيل قانون التعرفة افضل للاقتصاد العراقي من التجاوز على الموارد التي حَفَضَتْ سعر الصرف من التدهور الحاد ؟ ألن يكون تفعيل قانون التعرفة الجمركية موفراً للحماية لصناعيي العراق ومزارعيه ومحفٍزاً للنشاط الإنتاجي الذي سيخلق فرصاً كثيرة من الوظائف المنتجة للعاطلين عن العمل؟
 ألَن يكون التشغيل المتوسع بالصناعة والزراعة نتيجة الحماية المطلوبة من أهم ادوات مكافحة الفقر وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي في العراق؟
 إذن، لم هذه الدعوات الهادفة لتوهين السياسة النقدية وإضعاف مؤسسة عراقية عريقة لها صدقية وشفافية عاليتين إكتُسِبتْ من خلالهما ثقة المتعاملين في الداخل وكذلك المتعاملين والمؤسسات الدولية في الخارج مما أدى الى أحد النجاحات القليلة بالمقارنة مع بقية أجهزة الإدارة الإقتصادية العراقية؟
 هل كل ذلك للإستيلاء على مقدًرات الإحتياطي النقدي للبلاد والذي سيؤدي الى توهين الإستقرار الإقتصادي وتدهور في الثقة الداخلية والخارجية بسمعة العراق النقدية والمالية؟
 وهل كٌلُ ذلك مقبول، يا سادة يا كرام، وفي حوزة وزارة المالية فوائض متراكمة ستعين مجلس الوزراء الحالي على سد العجز (التخطيطي لا الفعلي) في موازنة عام 2012 وربما أيضاً كلاً أو جزءً من العجوزات المستقبلية؟!!
......................................................................................
1-أشكر زميليي في شبكة الاقتصاديين العراقيين الدكتور وليد خدوري والدكتور علي مرزا على ملاحظاتهما القيمة على اصل هذه الورقة الذي ارسل الى الزملاء في شبكة الاقتصاديين العراقيين يوم 14 نيسان 2012.
2- IMF – Second Review Under the Stand-By Arrangement, Request for Waiver of Applicability, Extension of the Arrangement, and Rephasing of Access, March 4, 2011, Table 10, p.25
3- نفس المصدر السابق أعلاه , Table 7, p.22
4- وقد إتفق معي على هذه النسبة الدكتور علي مرزا عند مناقشتنا شِفاهاً لهذا الأمر.
 في احدى المداولات التلفزيونية على قناة العراقية قبل بضعة ايام ، كان احد السادة النواب متحمساً لاستثمار الاحتياطي بالعقارات الاوربية نظراً لمردودها العالي خلال العشرين عاماً الماضية ، الامر الذي عكس قلة في المعرفة بوظيفة الاحتياطي.
 إن الوظيفة الاساسية لاحتياطي البنك المركزي هي الحفاظ على استقرار سعر الصرف وتمويل المستوردات عند حلول الازمات المالية،
 اللذان يستلزمان استثمار الاحتياطي بطريقة تؤدي إلى توفيرأكبر درجة من السيولة للاقتصاد عند حلول الأزمات، وهذا الأمر ينبغي أن يترك للبنك المركزي وإداراته المتخصصة نتيجة للخبرة الطويلة في هذا المجال.
5- الرقم محتسب من بيانات الأرقام القياسية لأسعار المستهلك كما ينشرها الجهاز المركزي للإحصاء على موقعه الإلكتروني. راجع
7- نفس المصدر السابق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق