السبت، 4 فبراير 2012

ما هو التصحيح في سوق الأسهم؟




د. محمد آل عباس

مع عودة سوق الأسهم السعودية للتقلبات كطبيعة لازمة لها – وللأسواق المالية بشكل عام – ومع بعض الارتفاعات التي حدثت خلال الأسابيع الماضية عاد التحليل الفني لفرض تفسيراته على سلوك السوق وقرارات المتداولين.
 ليست القضية في التحليل الفني والذي يحب مؤيدوه الصراخ من أجله لكن المشكلة في تداخل المفاهيم حتى فقدت استقرارها الضروري.
 ورغم أن مفاهيم التحليل الفني لا تتمتع بكثير من الدعم النظري إلا أن مفاهيم الاستثمار حققت تقدما واسعا وحظيت بثبات نسبي منحها القبول العام حتى استقرت في المؤلفات العلمية الرصينة التي لقيت قبولا بين المختصين وتم اعتبارها مراجع علمية موثوقة .

 كنت قد تحدثت سابقا عن مفهوم عمق السوق وقلت يجب ألا ننظر إلى هذا المفهوم من جانب عدد الشركات المطروحة فقط بل من ناحية تأثيرها في السوق أيضا وهو الأهم.

 لقد نما قطاع شركات التأمين من شركة واحدة قبل عامين فقط إلى 21 شركة، اليوم ومع ذلك فإن هذا القطاع لم يضف إلى عمق السوق شيئا يذكر بل زاد من مخاطرها وأخل ببعض توازنها.
 إذا فقضية العمق ليست مرتبطة بعدد الشركات فقط بل قدرة هذه الشركات على دعم توازن السوق وتوزيع المخاطر والسيولة بطريقة منطقية.
 ورغم ذلك وأن هذا المفهوم من أكثر المفاهيم انتشارا وتأثيرا في صناع القرار إلا أن هناك تبسيطا مخلا له قد يشوه السوق المالية ككل وهناك من يروج لهذا التبسيط.
 يجب أن نعلم أن مخاطر السوق تتزايد كلما تعاملنا مع مفاهيم الاستثمار بشكل سطحي سواء بقصد أو دون قصد، نسوق لها ونحلل بناء عليها بل ونتخذ القرارات وفقا لهذا التسطيح الخطير.
مفهوم التصحيح مفهوم آخر ومن أكثر المفاهيم استخداما في السوق والتحليلات ولكنه يعاني أيضا تسطيحا لمعانيه ويتم اختزال مدلولاته بطريقة غريبة.

 في هذه الأيام بالذات كثر التأكيد على مفهوم التصحيح وكثر استخدامه على أساس أن السوق ارتفعت بما يعادل 40 في المائة منذ بداية العام، وقد اعتبر ذلك سببا كافيا للتأكيد بأن التصحيح قادم لا محالة.
 هذا يعنى أن المعيار الأساس للمقارنة والذي يجب أن تصحح السوق لتعكسه هو وضعها قبل في بداية العام.
فهل ذلك الوضع في بداية العام هو المعيار الصحيح الذي يجب أن تعود إليه؟
 لكن الإجابة عن هذا السؤال (سواء بنعم أو لا) لن تقدم شيئا حول مفهوم التصحيح وهو موضوع المقال.
 التصحيح يعني تعديل الأسعار لتعكس الحالة الطبيعية المنطقية للسوق.
والحالة الطبيعية للسوق هي في قدرتها بمؤشراتها على عكس حالة الاقتصاد سواء الجزئي (كل شركة على حدة) أو الكلي (الاقتصاد بجميع قطاعاته).
السوق هي مرآة الاقتصاد، حتى أنها في أفضل حالتها تستطيع عكس حتى مستويات البطالة.
عندما ترتفع أسعار أسهم الشركات وتقود مؤشرات السوق إلى أكثر مما يفرضه وضع الاقتصاد ككل فإن التصحيح يأتي كرد فعل طبيعي، ذلك أن السيولة اللازمة لتداول الأسهم وفقا للأسعار المغالى فيها لا يستطيع الاقتصاد توفيرها إلا بمخاطر جسمية وكرد فعل - فطري - ترتد السيولة عكسا – هربا من المخاطر غير المحسوبة - وتبدأ الأسعار في التراجع.
 هنا تصحيح لأن السوق لم تستطع عكس حالة الاقتصاد وترغب في العودة إليها.
 لكن المشكلة أننا – كمتداولين - لا نلقي بالا كبيرا إلى مسألة الاقتصاد ونحن نشتري ونبيع الأسهم لذلك وعند التصحيح نبالغ في عمليات البيع حتى تفشل السوق في التوقف عند مستويات الاقتصاد الطبيعية بل تنخفض أكثر من اللازم نظرا لحالة الهلع التي تصيب المتداولين مع التطبيل الإعلامي والتحليلات الفنية بكسر نقاط الدعم.
بعد أن تنتهي حالة الهلع تكون السوق قد هبطت أكثر بكثير من مستويات الاقتصاد وتكتشف توافر سيولة كبيرة مع أسعار متدنية فتقل المخاطر بشكل لافت جدا بل مغر مقارنة بالسيولة المتوافرة وهكذا يبدأ التصحيح مرة أخرى ولكن إلى أعلى هذه المرة.
 فالتصحيح قد يكون إلى أعلى وترتفع الأسعار تصحيحا وقد يكون إلى أدنى وتهبط الأسعار تصحيحا أيضا، فالتصحيح ليس مرتبطا بالهبوط فقط، وليس مفهوما للهروب من السوق بل قد يكون للدخول أيضا.
ضابط التصحيح هو حالة الاقتصاد.
فهل المتداولون أو السوق تستطيع معرفة حالة الاقتصاد وتعكسها بشكل سليم ودقيق.؟
 هل أستطيع القول إن وضع السوق السعودية وفقا لحالة الاقتصاد يجب أن تكون عند ستة آلاف نقطة مثلا؟
 الحقيقة أنه لا يمكن لنا ذلك حتى الآن على الأقل.
 هناك اعتقاد – قبل أحداث الأزمة العالمية، أن السوق السعودية تعكس حالة طبيعية ومنطقية للاقتصاد عند مستويات ما بين تسعة آلاف نقطة و11 ألفا.
 على هذا النحو فإذا هبط المؤشر إلى ما دون هذه النقاط فإننا نتوقع تصحيحا إلى أعلى وإذا ارتفعت إلى ما هو أعلى من ذلك فإننا نتوقع تصحيحا هابطا.
هذا على مستويات السوق ككل,
لكن التصحيح يحدث على مستوى الشركات أيضا.
في الغالب هناك ارتباط بين سعر السهم وسعر السوق أو بمعنى آخر هناك علاقة بينهما يمكن اكتشافها من خلال عدد من النماذج الرياضية المتخصصة
. عندما يتحرك المؤشر هبوطا فإننا نفترض أن ذلك انعكاسا طبيعيا لحركة أسعار الشركات داخل المؤشر.
 لكن هناك شركات – ولأسباب مختلفة لا تتحرك مع حركة المؤشر.
 هذه الشركات وأيضا لأسباب متعددة تغفل عنها السوق ولكن لوقت قصير ثم ما تلبث أن تكتشفها فتعيد ربطها بالمؤشر في عملية تسمى التصحيح سواء برفع سعرها كما يحدث هذه الأيام أو هبوطا كما حدث في السنتين السابقتين
لكن مرة أخرى نجد أن السوق لا تقوم بحسابات رياضية لتحدد موقع السهم على خريطة السوق بل تتم بشكل عفوي لذلك يأتي التصحيح مبالغا فيه إما هبوطا أو ارتفاعا.
 قدرة المضارب هي في اكتشاف المبالغات والاستفادة منها الأمر الذي يحتاج إلى خبرة طويلة في التعامل مع السهم.
إذا فكلمة التصحيح أعمق بكثير من مجرد تصريح عابر يردد هنا وهناك دون تقديم شرح واف عنه وما المستوى الذي يجب أن يعود إليه المؤشر وما الأسباب الاقتصادية لذلك.
 بقي القول إن مفاهيم الاستثمار مترابطة بشكل لافت
فعمق السوق له دور كبير في التأثير في عمليات التصحيح سواء للمؤشر ككل أو لكل شركة على حدة.
عندما ارتفع المؤشر قبل أكثر من عام حتى قارب 12 ألف نقطة كان ذلك بدافع وحيد من شركتي سابك والراجحي وانعزل المؤشر عن بقية الشركات والقطاعات.
 هذا التذبذب وما تبعه من تصحيح يعود إلى خلل في عمق السوق فما زالت هناك شركات ومستثمرون يستطيعون التلاعب بمؤشرات السوق، لذلك فإن مفهوم التصحيح لدينا يجب التعامل معه بحذر طالما لم نحسم بعمق مفهوم عمق السوق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق