السبت، 1 أكتوبر 2011

معايير الدولة الفاشلة من منظور الإسلام والمؤسسات الغربية

بسم الله الرحمن الرحيم
يتردد كثيراً في الفترة الأخيرة الكلام في وسائل الإعلام الغربية عن الدول الفاشلة، ويضع القائمون على المؤسسات المعنية بذلك لوائح ودرجات ونقاط لتحديد وضع معظم الدول من حيث الفشل والنجاح في أداء وظائفها، ويضبطون معاييرها بمؤشرات اجتماعية واقتصادية وسياسية، ويجتهدون في تحديد تعريفات منضبطة لها.
لقد صدر في العام 2005م تقرير عن صندوق دعم السلام، -وهو مؤسسة توصف بأنها مستقلة- يحتوي على قائمة بأسماء الدول الأكثر فشلاً في العالم بناء على مقاييس معينة.
وصدر في العام 2007م تقرير آخر عن مجلة (فورين بوليسي) فيه تصنيف لمائة وسبع وسبعين دولة يبين درجة كل منها بعدد من النقاط للدلالة على مرتبة الدولة ضمن مقاييس الدول الفاشلة. واعتمدت هذه التقارير الأخيرة على اثني عشر مؤشراً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً تم اعتمادها لتحديد مكانة أي دولة من الدول السبع والسبعين وفقاً لهذه المؤشرات.


والمؤشرات المعتمدة هي:
1- الضغوط الديموغرافية من قبيل سوء توزيع السكان وتعدادهم والنـزاعات بينهم.
2- اللاجئون والمهجرون والمشاكل الناشئة عن الهجرة واللجوء.
3- تغليب النظام السياسي لصالح أقلية معينة يوفر لها حقوقاً على حساب الأكثرية المحرومة.
4- هجرة العقول من أوطانهم والاغتراب داخل المجتمعات.
5- غياب التنمية الاقتصادية وعدم المساواة بين السكان في الوظائف والتعليم و المداخيل.
6- وجود تراجع اقتصادي حاد واختلال في الميزان التجاري وضعف في سعر صرف العملة المحلية وانخفاض في معدلات الاستثمار وهبوط في الدخل الإجمالي.
7- فقدان شرعية الدولة وفساد الحكام وغياب المحاسبة والشفافية وضعف الثقة بالمؤسسات.
8- تدهور حاد في تقديم الخدمات العامة للجمهور.
9- انتهاك القانون وحقوق الإنسان.
10- تشتت الأمن –دولة داخل دولة- من قبيل سيطرة نخبة عسكرية داخل الجيش أو تكوّن قوى أمنية خاصة واندلاع نزاعات مسلحة بين مراكز القوة المختلفة.
11- تنامي الانشقاقات داخل النخب الحاكمة نفسها وحدوث انقسامات دستورية.
12- تدخل دول أخرى في الشؤون الداخلية من خلال دعم تنظيمات عسكرية وشبه عسكرية أو من خلال الاستعانة بقوات دولية أو بقوات حفظ السلام.
هذه هي المؤشرات التي اعتمدت بشكل عام من قبل تلك المؤسسات، وبناء عليه فإن الدولة الفاشلة تُعرف عندهم بأنها:
"الدولة التي لا تستطيع السيطرة على أراضيها، وتلجأ عادة إلى القوة، وتفشل حكومتها في اتخاذ قرارات مؤثرة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على توفير الخدمات لأبناء شعبها، فضلاً عن فشلها في التعامل بفاعلية مع المجتمع الدولي، وعادة ما تشهد معدلات فساد وجريمة مرتفعة".
وبحسب اللوائح المتغيرة لأكثر الدول فشلاً في العالم وفقاً لتلك المؤشرات فقد احتلت الصومال والسودان والعراق والكونغو وسيراليون وتشاد واليمن وأفريقيا الوسطى وليبريا وساحل العاج وهاييتي المراتب العشر الأولى في تلك اللوائح.
وأما مصر وبنغلادش والسعودية وغالبية الدول العربية والبلدان الإسلامية فتدخل ضمن الخمسين دولة الأولى في تحقيق أعلى مستويات فشل في العالم.
لكن المؤسسات الغربية التي وضعت معايير الدول الفاشلة تجاهلت تماماً معيار تأثير الدول الاستعمارية على تلك الدول 
 من النواحي العسكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وتناست تلك المؤسسات حقيقة أن الأوضاع السياسية في الدول التي وصفتها بالفشل ما هي في الواقع سوى نتاج طبيعي للاستعمار الذي ما زال يجثم على الدول التي توصف بالفاشلة،
وبمعنى آخر فإن أوضاع تلك الدول المأساوية هي من صنع أميركا والدول الأوروبية الاستعمارية، وما حكام الدول الفاشلة إلاّ مجرد موظفين عملاء للدول الكبرى الاستعمارية، وهذا العامل الذي تم التغافل عنه بصورة متعمدة هو أهم من كل المؤشرات التي أوردوها، بل هو الأشد تأثيراً في جعل تلك الدول وتسميتها في عداد الدول الفاشلة.
أما المعايير والمقاييس الحقيقية للدول الفاشلة فهي التي اعتمدها الإسلام، وقرّرتها الأحكام الشرعية، 
وتعتمد هذه المعايير والمقاييس على حالة الأمراء والحكام والأنظمة، بحيث أنه كلما كانت الحالة مطابقة للأحكام الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة كانت الدول أكثر عدلاً وتقدماً ونجاحاً، وكلما ابتعدت الحالة عن الأحكام الشرعية كانت الدول أكثر فشلاً وتخلفاً وتبعية للآخرين.
ومن المعايير التفصيلية للدول الفاشلة من وجهة النظر الشرعية ما يلي:
1- ظلم الأمراء وكذبهم:
عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أَلاَ إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَمَالأَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي، وَلاَ أَنَا مِنْهُ. وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُمَالِئْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ» (رواه أحمد).
وظلم الأمير أو الخليفة هو ظلم الدولة، ويعني عدم إعطاء كل ذي حق حقه بحسب أحكام الشرع، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تمرد الرعية على الدولة، فتفشل الدولة وتضعف، ويكون السقوط لاحقاً لا محالة في انتظارها.
وأما كذب الأمراء أو كذب رئيس الدولة وأعوانه فمعناه أن الدولة تم تأسيسها على الأوهام وليس على الحقائق، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى فشلها بعد افتضاح أمرها، والفشل عادة يكون من علامات سقوط الدول عاجلاً أو آجلاً.
والظلم والكذب إذا استشريا في الدولة واجتمعا فيها فإنهما يطيحان بمكانتها، ويفقدان الناس الثقة بمصداقيتها، وهو ما يؤدي بالتبع إلى انفضاض أهل القوة وأهل العلم والحكمة من حولها، وهو ما من شأنه أن يُحولها إلى دول هزيلة فاشلة تابعة تستند إلى قوة غير ذاتية من خارج أهلها، ولا يمكن لتلك القوة الأجنبية التي تسندها أن تدوم، فبقاؤها بالتالي يظل متوقفاً على قوة الإسناد الخارجية وعلى ضعف القوة المحلية الطبيعية.
2- التنازع وتفريق الجماعة:
قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال 46].
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ بَايَعَ إِمَامًا، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» (رواه أحمد)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» (رواه ابن حبان).
وواضح أن تنازع القوى الحاكمة والخروج من بيعة الإمام الأول، أو إمام دار العدل، -الإمام المبايع بيعة شرعية صحيحة من قبل المسلمين في دار الإسلام- إنما هو ترك صريح للجماعة، وذلك التنازع والخروج على الجماعة يؤدي حتماً إلى فشل الدولة وتمزيقها كما هو حاصل الآن في غياب دولة الخلافة الإسلامية.
3- الدعوة إلى العصبيات القومية والوطنية والطائفية:
قال عليه الصلاة والسلام: «وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ» (رواه مسلم).
فالقتال تحت لواء القومية العنصرية البغيضة، والوطنية السقيمة القاصرة، والطائفية المثيرة للصراعات الدموية، مذموم شرعاً باعتباره قتالاً من أجل العصبية الجاهلية، وليس من أجل رفع كلمة الله تعالى وجعلها العليا. 
وكذلك الدعوة أو الانتصار لتلك الروابط العصبية الجاهلية مذمومة شرعاً، وينطبق على الحكام الذين يعتمدونها ما ورد في الحديث الشريف من صفة ضرب الأمة برها و فاجرها، وعدم الاستحياء من مؤمنها، وعدم الوفاء بإعطاء العهود لمستحقيها، كما هو حاصل في هذه الأيام حيث تقوم الأنظمة القومية والوطنية بضرب وسجن حملة الدعوة، كما تقوم بملاحقة المجاهدين ووصمهم بالإرهاب.
ومن أبرز مظاهر هذه الحالة وجود تباغض وتلاعن بين هؤلاء الحكام وبين الناس كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» (رواه مسلم)، كما هو حاصل في هذه الأيام.
4- عدم السماح بمحاسبة الحكام: 
قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ» (رواه أحمد)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا، ثُمَّ لا يُغَيِّرُوا، إِلا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ» (رواه أبو داود).
وقد استشهد أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الحديث وهو على منبر الخطابة معلماً الناس ضرورة محاسبة الحكام، وسمح جميع الخلفاء الراشدين للرعية بمحاسبتهم بجميع أشكال المحاسبة حتى أصبحت محاسبة الحكام الحقيقية من الحقوق الطبيعية للمحكومين في تلك الفترة.
لذلك كان تغييب محاسبة الحكام أو إلغائها في الدولة، وعدم أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، من شأنه أن يؤدي قطعاً إلى فشل الدولة، وهزالها، وبالتالي يؤدي إلى تسلط حفنة ظالمة منتفعة من الحكام ومن لف لفها من بطانات السوء على الأكثرية المقهورة من الدهماء.
وهذه المعايير الأربعة جمعها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله: 
«إِنَّ أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ» (سنن الدارمي) ويتضمن هذا القول النبوي الشريف جميع صفات الحكام الذين يُحولون دولهم إلى دول فاشلة خائبة كجميع الدول القائمة في بلدان العالم الإسلامي في هذه الايام.
فالحكام المضلون إذاً هم الذين يجمعون بين الظلم والكذب والخروج على الجماعة والدعوة إلى العصبيات القومية والوطنية والجاهلية أو القتال تحت لوائها، وهم الذين يمنعون الرعية من محاسبتهم على ظلمهم وكذبهم وجاهليتهم وعمالتهم.
وقد وصف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا النوع من الحكام بقوله: «يَكُونُ أُمَرَاءُ تَلِينُ لَهُمُ الْجُلُودُ وَتَطْمَئِنُّ إِلَيْهِمُ الْقُلُوبُ، وَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ تَشْمَئِزُّ مِنْهُمُ الْقُلُوبُ وَتَقْشَعِرُّ مِنْهُمُ الْجُلُودُ، قَالُوا: أَفَلا نَقْتُلُهُمْ؟ قَالَ: لا مَا أَقَامُوا الصَّلاةَ» (رواه أحمد).
وقد ربط سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بين حكم الأئمة المضلين وبين فساد العلماء وأهل البدع، فعن زياد بن حدير قال: قال لي عمر: "هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قال: قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين" (رواه الدارمي).
وفساد الحكام يعني فساد الدول وفشلها؛ لأن الدول في الحقيقة هي الحكام، والحكام هم الدول. 
وكان الصحابة والتابعون والعلماء يفهمون ذلك جيداً، فقد أخرج الجبرتي في عجائب الآثار قال:
"وسأل معاوية الأحنف بن قيس فقال له: كيف الزمان؟ فقال: أنت الزمان، إن صلحت صلح الزمان، وإن فسدت فسد الزمان".
وأخرج ابن عساكر عن بكر العابد قال:
[قال سفيان الثوري لأبي جعفر المنصور:"إني لأعلم رجلاً إن صلح صلحت الأمة، قال ومن هو؟ قال: أنت"].
وروى البخاري عن مروان بن قيس أنه سمع ابن مسعود يقول: 
"لن تزالوا بخير ما صلحت أئمتكم".
هذه هي معايير الدولة الفاشلة من وجهة نظر إسلامية، وهي المعايير الحقيقية الصحيحة التي نستطيع من خلالها إصدار الحكم القطعي على الدول بمقاييس شرعية تتوافق مع فطرة البشر.

وبناء على هذه المعايير يمكننا أن نقطع بالقول إن كل الدول القائمة في العالم اليوم هي دول فاشلة لا تسعد شعوبها وإن امتلكت بعض منها أسباب القوة والتقدم.


أحمد الخطواني/ القدس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق